آداب الضيافة في الإسلام

لقد حثّنا ديننا الحنيف في قرآنه الكريم، وعلى لسان رسوله الكريم(صلّى الله عليه وآله)، وأهل بيته الطيبين الطاهرين(عليهم السلام) على إكرام الضيف وعلى حسن الضيافة، مهما كانت الأوضاع والظروف المعيشية، فقد روي عن الإمام الصادق(عليه السلام): (إنّ الله تبارك وتعالى أوجب عليكم حبّنا وموالاتنا وفرض عليكم طاعتنا، ألا فمَن كان منّا فليقتد بنا، وإنّ مِن شأننا الورع، والاجتهاد، وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، وصلة الرحم، وإقراء الضيف، والعفو عن المسيء، ومَن لم يقتد بنا فليس منّا...‏)[1].

وقد حثّ الإسلام المضيّف على جملة من الآداب الخاصة بالضيافة والتي منها، حسن اللقاء، وطيب الكلام، وطلاقة الوجه، لأنّ الضيافة أمرٌ أكيدٌ يرتبط بالأخلاق والقيم، فقد ورد عن الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله): (يا عليّ، أكرم الجار ولو كان كافراً، وأكرم الضيف ولو كان كافراً، وأطع الوالدين وإن كانا كافرين، ولا تردّ السائل وأن كان كافراً)[2]، والضيف مكرّمٌ أين ما حلّ وفي أيّ وقت، وبمناسبة أو غير مناسبة.

آداب الضيافة مما ندبت إليها الشريعة الإسلامية وحثّت عليها الديانات الإلهية، وهي وسيلة من وسائل رضا الله تعالى، وفي الرواية أن الإمام علي(عليه السلام) سأل العلاء بن زياد لما رأى سعة داره: (ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا وأنت إليها في الاخرة كنت أحوج؟ وبلى إن شئت بلغت بها الاخرة: تقري بها الضيف وتصل فيها الرحم وتطلع منها الحقوق مطالعها فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة)[3].

بل أن بعض الروايات والأخبار ربطت بين الإيمان بالله تعالى وإكرام الضيف، منها ما روي عن الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله): (من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه)[4]، وهذا يدل على عظم ثواب الضيافة، وأثرها على الأفراد والمجتمعات. 

بل إن من أفضل موارد الإنفاق لمن أتاه الله المال والسعة هي إكرام الضيوف بما يدخل فيه السرور إلى قلوبهم، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (فَمَنْ آتَاه اللَّه مَالًا فَلْيَصِلْ بِه الْقَرَابَةَ، ولْيُحْسِنْ مِنْه الضِّيَافَةَ)[5].

ومن فضل الله تعالى على المؤمنين أن جعل الضيافة سبباً من أسباب رزقهم والتوسعة عليهم، حيث جعل الرزق في دخول الضيف إلى المنزل، فمن كان يخاف العسر من كثرة الضيوف فعليه أن يثق بما وعد به الله تعالى على لسان رسوله المصطفى(صلّى الله عليه وآله)، حيث روي عنه أنه قال: (الرزق أسرع إلى من يطعم الطعام من السكين في السنام)[6].

بل إن الله تعلى جعل الضيافة سبباً من أسباب المغفرة والرحمة وليس الرزق فحسب، ففي الحديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (الضيف ينزل برزقه ويرتحل بذنوب أهل البيت)[7].

ومن الأمور التي تجعل هذا البيت خالياً من الملائكة الكرام المسبحين، عدم دخول الضيوف إلى هذا المنزل فقد ورد في الحديث عن الإمام علي(عليه السلام): (كل بيت لا يدخل فيه الضيف لا تدخل فيه الملائكة)[8].
ومن آداب الضيافة لصاحب البيت:

1. الأكل مع الضيف: أول آداب الضيافة الخاصة بصاحب البيت أن يأكل مع ضيفه فلا يتركه يأكل لوحده ففي الرواية عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (من أحب أن يحبه الله ورسوله فليأكل مع ضيفه)[9].

وفي رواية أخرى عنه(صلّى الله عليه وآله): (من أكل طعامه مع ضيفه فليس له حجاب دون الرب)[10].

2. أن لا يستخدم الضيف: كأن يسأله أن يناوله شيئاً أو أي أمر آخر، بل عليه هو أن يخدم الضيف، فقد روى أبو يعفور أنه رأى عند الإمام الصادق(عليه السلام) ضيفاً، فقام يوماً في بعض الحوائج، فنهاه عن ذلك، وقام بنفسه إلى تلك الحاجة وقال: (نهى رسول الله(صلّى الله عليه وآله) أن يستخدم الضيف)[11].

 3. أن لا يتكلف للضيف: فقد ورد عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (لا يتكلّفِن أحد لضيفه ما لا يقدر)[12].

وفي الرواية عن الإمام الرضا(عليه السلام): دعا رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له(عليه السلام): (قد أجبتك على أن تضمن لي ثلاث خصال)، قال: وما هي يا أمير المؤمنين؟

قال(عليه السلام): (لا تدخل عَلَيّ شيئاً من خارج، ولا تدّخر عني شيئاً في البيت، ولا تجحف بالعيال)، قال: ذاك لك يا أمير المؤمنين، فأجابه علي(عليه السلام))[13].

فإن الله تعالى لا يحب أن يضيق الإنسان على نفسه، كما أن شر الأخوان من تُكلِّف له، وما ذلك إلا لأنّ‏َ الأخ الذي يُشعرك بلزوم التكلُّف له ليس أخاً حقيقة، لأن الأخ الحقيقي لا يسبب إحراجاً لأخيه ولا مشقة.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أمر في غاية الأهمية، وهو أنه هناك فرقٌ بين أن يكون الإنسان جالساً في بيته، ويأتيه أخ من دون دعوة، وبين أن يقيم الإنسان وليمة ويدعو إليها إخوانه وأهله، ففي الحالة الأولى لا ينبغي أن يتكلف الإنسان لأخيه فيها، والروايات التي مرّتْ إنما تتحدث عن هذه الحالة وأشباهها، أما لو أقام الإنسان وليمة، ودعا الناس إليها، فينبغي له التكلف، بأن يحسن المأكل والمشرب، ويهيئ لهم من الكرامة ما يليق بشأنه وشأنهم، ففي الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام): (إذا أتاك أخوك فأتِهِ بما عندك، وإذا دعوتَه فتكلَّف له)[14].

 


[1]     الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص55.

[2]     معارج اليقين في أصول الدين، الشيخ محمد السبزواري: ص214.

[3]     بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج40، ص336.

[4]     المصدر السابق: ج72، ص460.

[5]     نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص198.

[6]     وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج24، ص291.

[7]     بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج72، ص461.

[8]     المصدر السابق: ج72، ص461.

[9]     تنبيه الخواطر ونزهو النواظر، ورام بن أبي فراس المالكي الأشتري: ج2، ص116.

[10]    المصدر السابق.

[11]    الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص283.

[12]    كنز العمال، المتقي الهندي: ج9، ص248.

[13]    الكافي، الشيخ الكليني: ج25، ص27.

[14]    المصدر السابق: ج6، ص276.