آداب الكلام في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

لقد اعتنتْ الشريعة الإسلامية بالأدب، فأمرتْ بحفظ اللسان، ولزوم الصمت، ولين الكلام، ولخطورة اللسان فقد رَكّزتْ الشريعة على آداب الكلام والمحادثة، وألّفَ العلماءُ المصنفات المستقلة في هذا الباب، وبَيّنوا آداب الحديث والمناقشات والمناظرات العلمية؛ فالإسلام يريد أن يميّز المسلم بعقيدته وعبادته وأخلاقه وآدابه ومظهره، ولعل سبب ذلك ان الكلام الطيب هو أبرز الصفات التي يَتحلّى بها الإنسان، فبه يكسب الأصدقاء ويدفع الأعداء...قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ[1].

وسُئل أمير المؤمنين(عليه السلام): (أي شيء مما خلق الله أحسن؟ فقال: الكلام، فقيل: أي شيء مما خلق الله أقبح؟ قال: الكلام، ثم قال: بالكلام ابيضّت الوجوه، وبالكلام أسودّت الوجوه)[2].

ومن آداب الكلام:

1. أن يتكلم بما يُرضي الله سبحانه وتعالى، ويحذر سخطه وغضبه: وأن لا يتكلم إلا بما يراجعه في نفسه، حتى لا ينطق بسوء، فعن الرسول الأعظم(صلّى الله عليه وآله): (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله تعالى له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه)[3].

 2. لا تتكلم فيما لا يعنيك: وإلا سبّبت لنفسك المتاعب، وخسارة الأصدقاء،  فعن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (إن أكثر الناس ذنوباً يوم القيامة أكثرهم كلاماً فيما لا يعنيه)[4].

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (إياك وما يستهجن من الكلام، فإنه يحبس عليك اللئام، وينفر عنك الكرام)[5].

وفي رواية ان أمير المؤمنين(عليه السلام)  مَرَّ برجل يتكلم بفضول الكلام، فوقف عليه ثم قال:(يا هذا إنك تُملي على حافظيك كتاباً إلى ربك، فتكلم بما يعنيك ودع ما لا يعنيك)[6].

3. تقليل الكلام والحديث بالخير والإحسان: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت)[7].

4.  الكلام الكثير يظهر عيوبك ويكثر عليك الأعداء:  فعن أمير المؤمنين(عليه السلام):
(من كثر كلامه كثر خطاؤه، ومن كثر خطاؤه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار)[8].

 وعنه(عليه السلام) :(إياك وفضول الكلام، فإنه يظهر من عيوبك ما بطن، ويحرّك عليك من أعدائك ما سكن)[9].

وعنه(عليه السلام): (طُوبَى لِمَنْ...أَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِه وأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ لِسَانِه)[10].

5.  أن يهتم الإنسان بأن يكون كلامه فيه رضا الخالق: فعن النبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله):
(كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمرٌ بالمعروف أو نهيٌ عن منكر، أو ذكر الله تعالى)[11].

6. الكلام بالحق والعلم أفضل من السكوت: فعن النبي(صلّى الله عليه وآله): (لا ينبغي للعالم أن يسكت على علمه، ولا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله. قال الله: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ))[12].

وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): (القول بالحق خير من العيّ والصمت)[13].

وقال الإمام الصادق(عليه السلام) لرجل: (... اعلم أن الله عزّ وجلّ لم يبعث رسله حيث بعثها ومعها ذهب ولا فضة، ولكن بعثها بالكلام، وإنما عرف الله عزّ وجلّ نفسه إلى خلقه بالكلام والدلالات عليه والإعلام)[14].

7. حاول أن تجعل كلامك حسناً: تراعي فيه القواعد والنظام، حتى يستحسنه الآخرون، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (أحسن الكلام ما زانه حسن النظام، وفهمه الخاص والعام)[15].

وقال الإمام زين العابدين(عليه السلام): (القول الحسن يُثري المال، ويُنمي الرزق، ويُنسئ في الأجل ويُحَبّب إلى الأهل، ويُدخل الجنة)[16].

8. يستحب أن يجيب الإنسان على قدر السؤال، وبقدر قناعة السائل، ولا يزيد حرفاً واحداً.

9. أن لا يتجاوز الإنسان حد المدح المسموح به ولا يسرف بالذم.

وقد قيل: أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك هوناً ما، سعى أن يكون حبيبك يوماً ما، فلا يكون في نفسه شيء عليك، ولا تخجل أنت من صداقته.

10.  أن لا يسترسل الإنسان في كلامه ويكثر منه، فيؤدي ذلك إلى الوعود التي يعجز عن الوفاء بها.

11.  ينبغي للإنسان إذا تكلم بكلام أن يحقّقه بفعله.

وقد قيل: إن أفضل الكلام ما لا يحتاج فيه إلى كلام، أي يكتفي بالفعل دون الكلام.

 


[1] سورة إبراهيم: آية24 - 25.

[2] تحف العقول، ابن شعبة الحراني: ص216.

[3] الترغيب والترهيب، عبد العظيم المنذري: ج3، ص537.

[4] كنز العمال، المتقي الهندي: ج3، ص641.

[5] غرر الحكم، الآمدي: ص214، ح4174.

[6] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج4، ص296.

[7] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص135.

[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج8، ص531.

[9] غرر الحكم، الآمدي: ص312، ح4104.

[10] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص490.

[11] الترغيب والترهيب، عبد العظيم المنذري: ج3، ص538.

[12] كنز العمال، المتقي الهندي: ج10، ص238.

[13] غرر الحكم، الآمدي: ص309، ح4038.

[14] الكافي، الشيخ الكليني: ج8، ص148.

[15] غرر الحكم، الآمدي: ص210، ح4046.

[16] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج68، ص210.