آداب التعامل مع الأبناء

إن الله تعالى كما أوجب حق الوالدين على المولودين كذلك أوجب حق الأولاد على الوالدين وأوصى كل واحد منهما بالآخر رحمة منه وحكمة، قال تعالى في سورة النساء: (يُوصِيكُمْ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ)[1]، وقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (ريح الولد من ريح الجنة)[2]. وعنه(صلّى الله عليه وآله): (إذا نظر الوالد إلى ولده فسرّه كان للوالد عتق نسمة)[3]، وعنه(صلّى الله عليه وآله): (أكثروا من قبلة أولادكم فان لكم بكل قبلة درجة في الجنة مسيرة خمسمائة عام)[4].

ومن الواضح أنّ العلاقة بين الآباء والأبناء هي من أسمى العلاقات الإنسانيّة لأنّها ترتبط بنظرة كلٍّ من الأب والإبن إلى الآخر، فالأب يرى أنّ ولده هو قطعة منه كما قال أمير المؤمنين(عليه السلام)  في كلام لولده الإمام الحسن(عليه السلام): (وجدتك بعضي بل وجدتك كلي)[5]، والولد يرى أنّ أباه هو سبب وجوده في هذه الدنيا، ومن هنا فإنّ العلاقة التي تربطهما هي علاقة فطرية وتكوينية موجودة في أعماق نفس كلّ واحد منهما.

لهذا فرض الإسلام على الأب أن يتحمّل مسؤولية تربية ولده بما يتوافق مع الأهداف الإلهية للحياة البشرية، من دون إهمالٍ أو تفريط.

وبالرجوع إلى النصوص الشرعية نجد أنّ الإسلام قد أوجب على الأب خصوصاً وعلى الأم أن لا يهملا أيّ جانبٍ من الجوانب الدخيلة في تربية أولادهم التربية الصحيحة.

فقد ورد عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) في رسالة الحقوق ما يلي: (وحقّ ولدك أن تعلم أنّه منك ومُضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنّك مسؤولٌ عمّا ولّيته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عز وجل، والمعونة على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مُثاب على الإحسان إليه، مُعاقب على الإساءة إليه)[6].

ومن أروع ما ورد عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) من التعبير عن علاقة الأم بولدها حيث قال(عليه السلام): (فرضيت أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى، وترويك وتظمى، وتظلك وتضحى، وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها، وكان بطنها لك وعاءً وحجرها لك حواء، وثديها لك سقاء، ونفسها لك وقاء، تباشر حرّ الدنيا وبردها لك ودونك. فتشكرها على قدر ذلك ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه)[7].

وإذا أردنا بيان ما يجب على الأبوين من حقوق وواجبات وما ينبغي لهما فعله مفصلا تجاه الأبناء نقول ما يلي:

أولاً: يستحب غسل المولود عند وضعه مع الأمن من الضرر، والأذان في أذنه اليمنى، والإقامة في اليسرى فإنه عصمة من الشيطان الرجيم كما ورد في الخبر.

ثانياً: يستحب تحنيكه بماء الفرات وتربة الحسين(عليه السلام).

ثالثاً: أن يحسن اسمه فقد ورد عن جعفر بن محمد، عن آبائه(عليهم السلام) - في وصية النبي(صلّى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام) - قال: (يا علي، حق الولد على والده أن يحسن اسمه وأدبه، ويضعه موضعاً صالحاً)[8].

عن أمير المؤمنين(عليه السلام): (وحَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ، أَنْ يُحَسِّنَ اسْمَه ويُحَسِّنَ أَدَبَه ويُعَلِّمَه الْقُرْآنَ)[9].

وفي الخبر: إن أصدق الأسماء ما يتضمن العبودية لله جل شأنه، وأفضلها أسماء الأنبياء صلوات الله عليهم، وتلحق بها أسماء الأئمة(عليهم السلام)، وعن النبي(صلّى الله عليه وآله):
أنه قال: (من ولد له أربعة أولاد لم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني)[10]، ويكره أن يكنيه أبا القاسم إذا كان اسمه محمداً، كما يكره تسميته بأسماء أعداء الأئمة صلوات الله عليهم.

رابعاً: يستحب أن يحلق رأس الولد يوم السابع، وأن يتصدق بوزن شعره ذهباً أو فضة، ويكره أن يحلق من رأسه موضعاً ويترك موضعاً.

خامساً: يستحب أن يعق عنه بذبيحة، وأن تذبح في اليوم السابع من ولادته.

سادساً: ربط الوالد ولده بالله سبحانه وتعالى من خلال تعليمه الأحكام الشرعية التي تجعل الولد يضع قدماً في خط الإيمان والإرتباط بالله عزّوجل، وعلى رأس ذلك الصلاة والصوم وكلّ المفردات الأخرى للعبادة، كالدعاء، وقراءة القرآن، والتردّد إلى المسجد والمجالس الدينية، قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله):
(لأَن يؤدّب أحدكم ولده خيراً له من أن يتصدق بنصف صاع كل يوم)[11].

وعنه(صلّى الله عليه وآله): (أدبو أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم وحب أهل بيته وقراءة القرآن)[12]. وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (مروا أولادكم بطلب العلم)[13].

وعلى الأب أن يستعمل كلّ وسائل الترغيب والتشجيع ليعين ولده على التزام النهج الإسلامي السليم ويختاره خطاً لسير حياته في المستقبل.

سابعاً: يوف لأبنائه إذا وعدهم حتى يعودهم على الوفاء، ويساوي بينهم في المحبة، قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (اعدلوا بين أولادكم كما تحبون ان يعدلوا بينكم في البر واللطف)[14]، وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (أبصر رسول الله(صلّى الله عليه وآله) رجلاً له ولدان، فقبل أحدهما وترك الآخر فقال(صلّى الله عليه وآله): فهلا واسيت بينهما)[15].

ثامناً: يحمل لهم من الهدايا ما يسعدهم به، مقدماً الإناث على الذكور قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإن من فرح ابنة فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أقر عين ابن فكأنما بكى من خشية الله عز وجل، ومن بكى من خشية الله عزّ وجلّ أدخله الله جنات النعيم)[16].

وبالإجمال فإنّ الولد أمانة شرعية في يد الأب، والأمين عليه أن يتعامل مع الأمانة بدون تفريطٍ أو إهمال أو تجاوزٍ للضوابط الشرعية، وأمانة الولد لا تضاهيها أيّة أمانةٍ أخرى في قيمتها الروحية والمعنوية والإنسانية؛ لأنّه يترتّب عليها مجموعة من المسؤوليات المرتبطة بالفطرة التكوينية المغروسة في نفوس الآباء تجاه أبنائهم، ولذا نجد أنّ القرآن الكريم يعبّر عن الولد بقوله:
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[17]، والزينة هي ما يتجمّل بها الإنسان، ولا يكون الولد زينة إلّا إذا كان الأب قد أحسن تربية ولده وتأديبه، كما قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (ألزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم، فإنّ أولادكم هدية إليكم)[18].

وأمّا آداب تعامل الأبوين مع الأبناء فخير ما يعبّر عنه ذلك هو ما ورد في القرآن الكريم عن قصة لقمان وابنه حيث قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ *... يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ* وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ[19].

حيث نرى في هذه الآيات مجموعة من الآداب والفضائل التي تصلح أن تكون نموذجاً إلهياًً مهمّاً في طريقة تعامل الأبوين مع الأبناء.

فعلى الأب أن يعامل ولده، وكذلك على الأم أن تتعامل مع ولدها بنفس الروح المسؤولة والمحبة، لأنّ كلاً من الأبوين لا يريدان لأولادهما إلّا ما هو في صالحهم وخيرهم للدنيا والآخرة.

هذا مع ملاحظة أنّ الأبناء ذكوراً وإناثاً يرون في الوالدين القدوة والأسوة والنموذج، ولذا يبقى على الوالدين أن يكونا متوازنين في شخصيّتهما الإسلاميّة حتى يتمكنا من معرفة طريقة التعامل مع الأبناء التي تقوّي الإرادة عندهم وتنمِّي شخصيّتهم وتجعلهم مؤهلين للتعامل مع المجتمع الكبير الذي ينطلقون إليه بدءاً من البيت الذي آواهم والأبوين الذين تحملا مسؤولية تربية أبنائهما.

من هنا فإنّ تعامل الأبوين مع الأبناء لا بدّ أن ينطلق من منطلق إسلامي، تربوي وأخلاقي يوجِّه الأبناء نحو كلّ ما يقوّي إيمانهم، ويزيد من ثقتهم بأنفسهم ويحقّق لهم الشخصية المتوازنة التي يمكن أن تجد لها مكاناً محترماً في المجتمع.

وبالجملة فطريقة تأديب الوالدين لأولادهما ينبغي أن ترتكز على قاعدة أساسية (أنّ الإبن لديه الإستعدادات للتلقّي والإنطلاق في الحياة، ولكن مع كبح الجموح والإيقاف عند الضوابط الشرعية والأخلاقية والسلوكية، فلا يعطي الأبوان الحرية الكاملة لولدهما من دون مراقبة، ولا ينبغي التضييق عليه إلى الحد الذي ينفر فيه الولد منهما بسبب توهّم عدم ثقة الأبوين به).

ويقول الشاعر:

عود بنيك على الآداب في الصغر                   كيما تقـرّ بـه عينـاك فــي الكــبر

فإنـــما مثــل الآداب تجمعهــا                    في عنفوان الصبا كالنقش في الحجر

 


[1] سورة النساء: آية11.

[2] كنز العمال، المتقي الهندي: ج16، ص274.

[3] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج71، ص80.

[4]     المصدر السابق: ج: 104، ص92.

[5] تحف العقول، ابن شعبة الحراني: ص68.

[6] شرح رسالة الحقوق، حسن القبنجي النجفي: ص581.

[7] المصدر السابق: ص545.

[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج21، ص389.

[9] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص546.

[10] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص19.

[11] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج15، ص195.

[12] كنز العمال، المتقي الهندي: ج16، ص456.

[13] المصدر السابق: ج16، ص584.

[14] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص220.

[15] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج71، ص84.

[16] الأمالي، الشيخ الصدوق: ص672.

[17] سورة الكهف: آية46.

[18] شرح رسالة الحقوق، حسن القبنجي النجفي: ص582.

[19] سورة لقمان: آية13- 19.