آداب الدواء في الإسلام

اهتم أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بمعالجة الجسد كاهتمامهم بمداواة الروح، فكانت عنايتهم في صحة الأبدان كعنايتهم في تهذيب النفوس.

فهم أطباء الروح والجسد، وقد رجع إليهم العدو والصديق يستوصفونهم لأمراضهم البدنية، كما كانوا يرجعون إليهم في شفاء أمراضهم الروحية، وهذه جوامع الحديث مملؤة بشواهد ذلك.

ولقد ورد عنهم(عليهم السلام) في جوامع الطب وحفظ الصحة الكثير، كما ورد عنهم وصف العلاج بأنواعه للروح والجسد، وهي قواعد عامة يمكن للإنسان أن يتبعها فيستقيم بدنه وروحه، منها ما ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام)
لولده الحسن(عليه السلام): (ألا أعلّمك أربع كلمات تستغني بها عن الطب ؟ فقال: بلى يا أمير المؤمنين ، قال(عليه السلام): لا تجلس على الطعام إلا وأنت جائع، ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه، وجوّد المضغ، وإذا نمت فأعرض نفسك على الخلاء، فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطب)[1].

وقال(عليه السلام): (إن في القرآن لآية تجمع الطب كله: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا)[2].

وعنه(عليه السلام): (توقوا البرد في أوله، وتلقوه في آخره، فإنه يفعل بالأبدان كما يفعل بالأشجار، أوله يحرق، وآخره يورق)[3].

وقال الصادق(عليه السلام): (لو اقتصد الناس في المطعم لاستقامت أبدانهم)[4].

وهناك جملة من آداب الدواء يمكن إجمالها بما يلي:

1. طلب العافية: يستحب للمريض أن يطلب من الله العافية، كما ورد في الأدعية، فقد كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله) إذا رأى في جسمه بثرة عاذ بالله، واستكان له، وجار إليه، فيقال له: يا رسول الله أهو بأس؟ فيقول: (إن الله إذا أراد أن يعظم صغيراً عظمه، وإذا أراد أن يصغر عظيماً صغره)[5].

2. أن يفوض أمره لله عز وجل: فليعلم الإنسان أن الشفاء بيد الله عز وجل،
ولكنه خلق الأسباب للشفاء، فعن الإمام الصادق عن أبيه عن آبائه(عليهم السلام) أن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) قال: (تداووا، فما أنزل الله داءً إلا أنزل معه دواء، إلا السأم يعني الموت فإنه لا دواء له)[6].

3. الصدقة: يستحب للمريض أن يتصدق، كما يستحب أن يتُصدق عنه، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): (الصدقة تدفع البلاء المبرَم، فداووا مرضاكم بالصدقة)[7].

4.  يستحب التداوي بطين قبر الإمام الحسين(عليه السلام)فعن الإمام الصادق(عليه السلام):
(في طين قبر الإمام الحسين(عليه السلام) الشفاء من كل داء وهو الدواء الأكبر)[8].

5. صبر المريض: يستحب للمريض احتساب المرض، وأن يصبر عليه، ويتحمل وجعه، ويشكر الله عز وجل، فإنّ المرض سجن الله الذي به يعتق المؤمن من النّار، ويكتب له في مرضه أفضل ما كان يعمل من خير في صحّته، فعن النّبيّ(صلّى الله عليه وآله)
أنه قال: (يكتب أنين المريض حسنات ما صبر، فإن جزع كتب هلوعاً لا أجر له)[9].

وعنه(صلّى الله عليه وآله) قال: (عجبت من المؤمن وجزعه من السقم، ولو يعلم ما له في السقم من الثواب لأحب أن لا يزال سقيماً حتى يلقى ربه عز وجل)[10].

6. عدم أخذ الدواء إلا عند الضرورة: ينبغي تحمل الداء ما احتمل البدن ذلك، وأن لا يكثر من الدواء، عند إصابته بالأمراض العادية المتكررة، والتي لا تشكل خطورة على حياته حتى يعطي مجالاً لجسمه أن يقاوم المرض، في الحديث الشريف عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) قال: (تجنب الدواء ما احتمل بدنك الداء، فإذا لم يحتمل الداء فالدواء)[11].

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (رب دواء جلب داء)[12].

7. ترك الشكوى: يستحب ترك الشكّوى، فقد ورد أنّ من ترك الشكوى ابدله الله لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمّه،و بشراً خيراً من بشره، وإن أبقاه أبقاه بلا ذنب، وإن أماته أماته إلى رحمته، وإنَّ من مرض يوماً وليلة، فلم يشتكِ إلى عوّاده، بعثه الله يوم القيامة مع خليله إبراهيم(عليه السلام)، حتّى يجوز على الصراط كالبرق واللامع.

8. حاول قبل أن تأخذ أي دواء أن تعلم ما هو داؤك: فعن الإمام زين العابدين(عليه السلام): (من لم يعرف داءه أفسده دواؤه)[13].

9. الإكثار من الاستغفار، والدعاء عند أخذ الدواء: يستحب للمريض عند طلب الدواء أن يستغفر ربهّ ويكثر من ذلك، ويدعو الله أن يشفيه وهناك الكثير من الأدعية والأذكار للشفاء موجودة في كتب الأدعية.

10. حمل الدواء في السفر: للمسافر حمل بعض الأدوية الضرورية في السفر؛ لأنه قد يذهب إلى بلد لا يجد فيه دواءً مفيداً لمرضه.

 


[1] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج59، ص267.

[2] المصدر السابق.

[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج7، ص508.

[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج59، ص266.

[5] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص357.

[6] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج16، ص426.

[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج2، ص433.

[8] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج1، ص268.

[9] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج78، ص211.

[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج2، ص403.

[11] المصدر السابق: ج2، ص409.

[12] عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي: ص267.

[13] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج75، ص160.