ميّز الله الإنسان وكرَّمه بالعقل وأمره بعمارة الأرض واستخراج كنوزها، واستخدامها في طاعته وبما يُرضيه، لذا كان من الأهمية بمكان تنمية المواهب الفكرية ليتمكن بنو الإنسان من خلافة الأرض على أكمل وجه.
وليبلغوا بعقولهم من الرقي ما يمكنهم من إنشاء الأسر والمجتمعات والدول الإنسانية فحياة الأفكار أطول من حياة البشر فكم من مفكر مات جسده وخُلِدت أفكاره لقرون بعده وكم من شخص هزل جسمه ولكنه هز بقوة أفكاره عقول من حوله.
إن تعلم مهارات التفكير وتنميتها يختصران على الإنسان الطرق الشاقة لبلوغ الغايات الكبرى سواءً في نطاق التنمية الشخصية والاجتماعية أم السياسية والاقتصادية، وتحديداً يمكن تلخيص أهمية التنمية الفكرية باختصار من خلال النقاط الأتية:
- إدراك أهمية التعلم والقراءة المستمرة في الحياة.
- احترام وجهات نظر الآخرين.
- الدقة في فهم وتقييم الآراء.
- البعد عن التبسيط والتسطيح في تحليل القضايا والمشكلات.
فالمتأمل في هذه النقاط يستخلص تعريفاً للتفكير بأنهما يجول في الذهن لفهم وتقييم ما يدرك بالحواس قبل القول والفعل.
ففعل الإنسان وحديثه وخطابته قد تكون من نتاج الفكر وليس بالضرورة فيمن يمتلك مهارة الحديث والخطابة أن يحسن التفكير والتدبير والعكس صحيح، فالعبرة بالمضمون وليس بكثرة العبارات المنمقة، ولا الألفاظ المعقّدة، وإلّا لكان حفاظ الخطب من المفكرين.
وللتفكير السليم مبادئ وأُسس تقيه الانحراف وتضمن له السير ضمن أُطُر آمنة منها:
- العمل على تجريد التفكير من تأثير قوى النفس وغرائزها كالوهم والخيال وحب الجاه.
- التخطيط طويل الأمد، وعدم استعجال النتائج والثمرات.
- الرؤية الشمولية وإدراك العلاقات والتأثيرات، ورفض الثنائيات (معي أم ضدي) (نعم أو لا) (هجوم أم دفاع) (خطأ وصواب) -إلخ.
- الالتزام بالقيم والأخلاق النزيهة في السراء والضراء، وضبط النفس والبعد عن الروح الانتقامية.
- النقد المستمر للذات وقبول النقد من الآخرين.
- التواضع وعدم ادعاء الموضوعية هو عين الموضوعية، فذلك أدعى للمفكر أن يعاود النظر ويصل لنتائج أثمن وأنفس.
- التفكير في الأولويات يصون رأس المال -ألا وهو الوقت - من الضياع.
أما عن مهارات وتقنيات التفكير فهي بمثابة الخطوات العملية لتطوير أساليب التفكير، وقد يحتاج المرء لبعض هذه المهارات بحسب المواقف المختلفة، فالمهارات يستفيد القارئ منها بقدر تطبيقه اليومي لها. وتتجلى هذه المهارات في العناصر الأتية:
- مهارة حل المشكلات: وهي محاولة حل مشكلة من خلال جمع المعطيات وتحديد الأهداف.
- مهارة تحديد الأولويات: وينجح صاحبها فـي ترتيب الأمور حسب أهـميتها.
- مهارة تطبيق الإجراءات: أي العمل على إنجاز المهام بدقة عالية.
- مهارة التتابع: وتعني العناية الفائقة في ترتيب الأفكار والفقرات والأشياء بحسب الأولويات.
- مهارة المرونة: وهي القدرة على فهم الأشياء بطرق مختلفة. وذلك يحتاج إلى الدربة والممارسة وعصر الذهن للخروج به من التفسير الأحادي للأشياء.
- مهارة تحديد العلاقة بين السبب والنتيجة: وهي مهارة ربط الأسباب بالمسببات والنتائج. وفي ذلك تمرساً على التحليل العميق للأحداث.
- مهارة تنمية المفاهيم وتطويرها: والوصول إليها يكون عن طريق تحليل الأمثلة المتعلقة بمفهوم معين لإعطائه مسمىً معين.
- مهارة الاستنتاج: ولابد من توافر المعلومات الكافية قبل ذلك ثم التحليل واستخراج النتائج بناء عليها.
- مهارة تقييم المعلومات: وتعتمد على التمييز بين المعلومات الـهامة وغيرها.
ويمكن القول: إن قوة الأفكار تكمن في توفّر ثلاثة معايير ألا وهي (الوضوح والدقة والعمق) فكل فكرة افتقدت إحدى الأمور الثلاث فلن تجد سبيلها إلى العقول. ولذا كان من الضروري بالإضافة إلى معرفة أهمية التنمية الفكرية، ومبادئها، ثم تطبيق مهاراتها، التأكد من رسوخ هذه المعايير في ثنايا الفكرة التي ندركها[1].
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (48)
[1] أنظر كتاب تدريس مهارات التفكير-جودت سعادة.