القدوة

مسألة القدوة والاقتداء أهمية في حياة الإنسان، فأغلب الناس يسعون دائماً لاتّخاذ قدوة يتمثّلون بها في أمورهم ومشاريعهم، وهو أمر شامل لجميع الفئات العمرية، وإن اختلفت مصاديق القدوة بينهم.

لماذا أحتاج إلى القدوة؟

يسعى الجميع لبناء شخصيّته بحسب موازين الكمال المعروفة لديه، فمتى ما اعتقد الإنسان بكمالٍ معيّنٍ توجّه نحوه وانجذب إليه انجذاباً يخضع لقناعاته ورؤيته الخاصّة للكمال، فمنهم من يرى مثلاً الكمال في المال والشهرة، ومنهم من يراه في السلطة، ومنهم من يراه في العلم والمعنويّات... وهكذا يختلف الناس في تحديد مصداق الكمال الذي يصبون إليه. والإنسان متى ما وجد ذلك الكمال متجسّدًا في شخص معيّن، مال نحوه مباشرة حتى يصير قدوته التي يقتدي بها، وإنّه ليس من السهل أن يتوجّه الإنسان نحو كمال في مجال معيّن دون وجود قدوة، وما لم يتمثّل الكمال في قدوة ملموسة، فسوف يُصاب الإنسان باليأس والخنوع.

كيف أتّخذ قدوتي؟

إنّ اتّخاذ القدوة لا يكون بالجبر والإكراه، فلا يمكن لأحد أن يفرض على أيّ شخص آخر قدوة معيّنة؛ لأن مسألة الاقتداء تابعة -دوماً- لقناعات كلّ فرد وميوله، فالمقتدي إنّما يتّخذ قدوته بما ينجسم مع مبادئه وتطلّعاته، بحيث يحرّكه شوقه ليصبح نموذجاً له. من هنا، ينبغي العناية والاهتمام البالغ في كيفيّة انتخاب القدوة؛ حتى لا تكون النتائج مخيّبة للأهداف والتطلّعات المنشودة.

والقدوة يجب أن لا يُقدّم نفسه للمجتمع كقدوة، ويقال: هذا قدوتكم، فمثل هذا الاقتداء يكون مفروضاً وخالياً من الجاذبية، والصحيح الذي نأمن له النتائج هو أن نختار قدوتنا بأنفسنا، وننظر في رُؤانا ومعتقداتنا الحقّة، بذلك تولد وتتكون القدوة التي ينتفع منها المقتدي، ولا توجد صعوبة في حصول الشابّ على مثل هذا الاقتداء.

إذاً، القناعات والعقائد والمجتمع وما يؤمن به الشخص، هو الذي يحدّد لاحقاً هوية القدوة، فالمؤمن على سبيل المثال الذي يستمدّ معتقداته وقيمه من دينه، وتكون طموحاته مبنيّة على أسس دينيّة، فإنّ قدوته وأسوته بطبيعة الحال هي من يجسّد التعاليم والقيم الدينيّة ومن يحمل مشروع دينياً.

التزامن بين المقتدي والقدوة.

ليس بالضرورة أن يتزامن أو يتماكن المقتدي والقدوة في عملية الاقتداء، كما ليس بالضرورة أن يعيشا حدثاً واحداً، بل إنّ الإحاطة والإيمان بالقيم التي تحكّمت بتصرّفات القدوة واعتمد عليها يكفي في تحقق الاقتداء. فإذا عرف المقتدي تلك الأسس التي نفّذها قدوته، أمكنه السير عليها في حياته، فالسيدة التي تعيش في عصر التطوّر العلميّ والصناعيّ والتقنيّ الذي تحكمه المادة غالباً بمختلف المظاهر، يمكنها الاقتداء بشخصيّة سبقتها بألف وأربعمئة سنة مثلاً، كالسيدة الزهراء (عليها السلام)، بأن تنظر في شخصيّة الزهراء(عليها السلام) خصائص أصيلة يجب تحديدها أولاً، ثمّ تنظر إلى نفسها وعصرها في ضوء تلك الخصائص والميّزات، ومميزات الشخصية غير متقيدة بزمان ولا مكان.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (57)