آداب التعامل داخل الأسرة الفاضلة

الأسرة هي اللبنة الأولى لتكوين المجتمع، وهي نقطة الانطلاق في إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني، ونقطة البدء المؤثرة في جميع مرافق المجتمع الايجابية والسلبية، ولهذا أبدى الإسلام عناية خاصة بالأسرة، فوضع لها آداباً وفقهاً متكاملاً شاملاً لجميع جوانبها النفسية والسلوكية.

وفقه الأسرة -بما يشمل من آداب- لم ينشأ من فراغ ولا يبحث في فراغ، وإنما هو فقه واقعي، يراعي الطبيعة البشرية بما فيها الفوارق الجسدية والنفسية بين الجنسين، ويراعي الحاجات الفطرية، فلا يبدلها ولا يعطّلها ولا يحمّلها ما لا تطيق، وهو يتمثل بالدقة في تناول كل خالجة نفسية وكل موقف وكل حركة سلوكية، ويجعل العلاقات في داخل الأسرة علاقات سكن للروح وطمأنينة للقلب وراحة للجسد، علاقات ستر وإحصان، ويهذب النفس للحيلولة دون استسلامها للأهواء والشهوات المتقلبة، ويحررها من نزعات المطامع والرغبات الزائلة.

إنها الآداب المستمدّة من النصوص القرآنية والحديث الشريف، والتي تواكب جميع المراحل التي تمر بها الأسرة قبل تشكيلها وبعده، فتضع لكل مرحلة قواعدها الكلية والجزئية الشاملة لجوانبها النفسية وغيرها من الحوادث والمواقف، فتحدد العلاقات بين الجنسين قبل الزواج وبعده، وقبل توسع الأسرة بالإنجاب وبعده، وتحدد العلاقات داخل الأسرة على ضوء المرسوم من الحقوق والواجبات القائمة على التكافل والتراحم والتناصح والسماحة والمودة والإحسان، وترسم للأسرة طريقها في التعامل الاجتماعي، من أجل التكاتف والتآزر في بناء وإصلاح كيانها والكيان الاجتماعي الكبير.

وبالتالي فهي ترفد الأسرة بمنهج حياة واقعي يناسب أهميتها وخصوصياتها
وآمالها وآلامها وعلاقاتها، واضعة الحلول اللازمة، وقاية وعلاجاً. للخلافات المتأصلة أو الطارئة.

والأسرة هي بمثابة الوحدة الأساسية التي يقوم عليها هيكل المجتمع، وعلى الصورة التي تكون عليها الأسرة  من القوه أو الضعف يكون المجتمع بأسره، وهي المجال الاجتماعي الأول الذي تمارِس فيه أولى علاقاتك الاجتماعية وتغرس فيك الكثير من العادات والتقاليد، وهو المكان الأول للتربية وبقدر ما يكون الجو الأسري جوا إيمانيا عاطفيا صادقا بقدر ما يكون المجتمع مجتمعا سليما صالحا.

ومن تلك الآداب الخاصة بالأسرة:

1. أن يشعر كل واحد من أفراد الأسرة بأنه مرغوب فيه، محبوب عند الآخرين، يُتعامل معه بالسوية سواءً كانوا أولاداً أو بنات أو عجزة أو مرضى أو معوقين.

2. تشجيع كل فرد غيره من أفراد الأسرة على ما يملكه من مواهب واستعدادات سليمة، ليصل إلى تحقيق طموحاته وبناء مستقبله.

3. احترام حقوق كل واحد من أفراد الأسرة  لحقوق الآخر ومحاولة العيش في جو خالٍ من الأنانية والاتهام وسوء الظن.

4. التكافل الاقتصادي داخل الأسرة فالقادر يكفل القاصر والعاجز والضعيف، وهو النظام المستمد من الشريعة الغراء فالأب يتكفل حاجات أسرته وأولاده ما دام قادراً على ذلك، فإذا عجز ينتقل الأمر إلى الأولاد فهم من يتكفل أبيه وأمه...

5. أن يكون الأب والأم قدوة حسنة لأبنائهما حيث يجب أن تكون أقوالهما وأفعالهما مثالاً طيباً للأبناء، يقول الشاعر:

 الأم مدرسة إذا أعددتهــا          أعددت شعباً طيب الأعراق

6. التشويق والترغيب بالمكافأة المادية والمعنوية حيث إنهما ضروريان للتشجيع على رفع المستوى التعليمي أو الديني أو غيرها داخل الأسرة.

7. التهديد بالعقاب وأحيانا تنفيذه حيث إن ذلك يعتبر ضرورياً إذا لم ينفع الوعظ والإرشاد والترغيب والتشويق وهذا يعتبر العلاج الأخير، ومن المهم أن يتعلم الأب والأم وحتى الأخوة الكبار الناحية الشرعية في العقاب والإنذار.

8. خلق جو إيماني داخل الأسرة من خلال توجيههم جميعاً إلى حب الله عزّ وجلّ ورسوله وأهل بيته(عليهم السلام) وقراءة القرآن، فقد ورد في الحديث: (أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن)[1]، وحب العبادة والدعاء، وتوفير الإمكانات الثقافية لهم، مثل الكتب والأقراص السمعية والمرئية وأخذهم إلى المساجد والمجالس الحسينية ومحاولة إقامة مجالس حسينيه في نفس منزل الأسرة.

إن مسؤولية الأسرة مسؤولية مشتركة تتوزع بين أفرادها، كل منهم يقوم بدوره في حدود طاقاته وإمكاناته، فالأب وهو المسؤول الأول يقوم بالإنفاق والتربية والتوجيه والتعليم، وعلى الأسرة السمع والطاعة، والأم وهي المسؤول الثاني تقوم بالحضانة والعناية والرعاية وعليهم إطاعتها واحترامها، والأولاد عليهم أن يرحم كبيرُهم صغيرَهم، وصغيرُهم يحترم كبيرَهم، وهكذا نصل فعلا إلى مجتمع خال من الموبقات والآفات القاتلة، فهل حان الوقت للاستفادة من تلك الآداب الإسلامية في مجال التربية والتعامل الأسري؟

 


[1] كنز العمال، المتقي الهندي: ج16، ص456.