إنّ مطالعة سريعة للسنّة النبويّة، ولسيرة الأئمة الأطهار سلام الله عليهم، تكفينا لمعرفة مدى الإهتمام البالغ الذي أولاه الإسلام للبنت، والذي ظهر جليّاً من خلال قول وعمل وتقرير النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت(عليهم السلام)، حتى أنّ علماءنا الأعلام أفردوا أبواباً مستقلّة في كتب الحديث، لما ورد في شأن البنت على لسان المعصومين(عليهم السلام)، مثل باب كراهة (كراهة البنات)، باب تحريم تمنّي موت البنات، باب استحباب زيادة الرقة على البنات والشفقة عليهن أكثر من الصبيان، باب استحباب طلب البنات وإكرامهن... فهي ريحانة يشمها أبوها، ونعم الولد البنات ملطّفات مجهّزات مؤنسات مباركات، الأرض تقلّها، والسماء تضلّها والله يرزقها، ميلادها فرحة كبرى وبشارة عظمى، فهي ريحانة الحاضر وأم المستقبل، تربي الأجيال، صانعة الأبطال، رمز الحياء، عنوان العفة، وقد كتب أحد الأدباء يهنئ صديقاً له بمولودة: (أهلاً بعطية النساء، وأم الدنيا، وجالبة الأصهار، والأولاد الأطهار، والمبشرة بإخوة يتسابقون، ونجباء يتلاحقون).
وكان النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أبا بنات، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: (كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله) أبا بنات)[1].
وعنه(عليه السلام) قال: (إن (أبي) إبراهيم(عليه السلام) سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه وتندبه بعد موته)[2].
فكل ما يشاؤه الله تعالى لعبده إنما يصبّ في مصلحته للدنيا والآخرة، وما على العبد إلا التسليم إزاء حكمة الله وعدله ورحمته ومشيئته وذلك هو ارفع عبادة، وهو من خصال الأنبياء والأولياء، فمن الناس من يجعله عقيماً، ومنهم من يهبه بنتاً، ومنهم من يرزقه ابناً، وقد يجعل في بطن امرأة توأماً أحدهما ذكرٌ والآخر أنثى، كل ذلك يمثّل الرحمة واللطف بعينه وذروة حبّه جلّ شأنه بعباده، قال تعالى: ﴿لِله مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾[3].
وورد أن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) رُزق عدداً من الأبناء وهم القاسم والطيب والطاهر وإبراهيم، ولم يبق منهم أحدٌ على قيد الحياة، إلا أن الله سبحانه لم يبشره ويهنئه لمّا رُزق أبناءً، كما لم ترد آية في القرآن الكريم بهذا الصدد، إلا انّه وبمجرد انعقاد نطفة فاطمة الزهراء(عليها السلام) في رحم خديجة(عليها السلام) نزلت سورة الكوثر وبُشّر بالخير الكثير والدائم.
عن الحسين بن سعيد اللخمي قال: ولد لرجل من أصحابنا جارية فدخل على أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) فرآه متسخطاً فقال له أبو عبد الله(عليه السلام): (أرأيت لو أن الله تبارك وتعالى أوحى إليك أن أختار لك أو تختار لنفسك ما كنت تقول؟) قال: كنت أقول: يا رب تختار لي، قال: (فإن الله قد اختار لك)، قال: ثم قال: (إن الغلام الذي قتله العالم الذي كان مع موسى(عليه السلام) وهو قول الله عز وجل: ( فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحماً، أبدلهما الله به جارية ولدت سبعين نبيا)[4].
فضل البنت في الإسلام:
نورد بعض الروايات التي تبين فضل البنت ومكانتها في الإسلام، فعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (نعّم الوِلْد البنات، ملطّفات مجهّزات مؤنسات مباركات... )[5].
وقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله) لرجل كان عنده وقد سمع بخبر ولادة زوجته، وقد تغير لون الرجل: (الأرض تقلّها، والسماء تظلّها، والله يرزقها، وهي ريحانة تشمّها...)[6].
وعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: (البنات حسنات، والبنون نعمة، فإنما يثاب على الحسنات، ويسأل عن النعمة)[7].
وعنه(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة، فقيل: يا رسول الله واثنتين ؟ فقال: واثنتين، فقيل: يا رسول الله وواحدة ؟ فقال: وواحدة)[8].
وعن النبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله): (من كان له أنثى فلم يبدها، ولم يهنها، ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله الجنة)[9].
وعنه(صلّى الله عليه وآله) قال: (من كان له أختان أو بنتان فأحسن إليهما، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين)، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى[10].
وعنه(صلّى الله عليه وآله): (نعم الولد البنات المخدرات، من كانت عنده واحدة جعلها الله ستراً له من النار، ومن كانت عنده اثنتان أدخله الله بهما الجنة، وإن كُنَّ ثلاثاً أو مثلهن من الأخوات وضع عنه الجهاد والصدقة)[11].
وعنه(صلّى الله عليه وآله): (من كانت له ابنةُ واحدةٌ كانت خيراً له من ألف حجّة، وألفِ غزوة، وألفِ بدنة، وألف ضيافة)[12].
وعنه(صلّى الله عليه وآله): (من دخل السوق فاشترى تحفةً فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور فإنّ مَنْ فرَّح ابنته فكأنّما أعتق رقبةً من ولدِ إسماعيل)[13].
وهناك بعض الآداب المتعلقة بالتعامل مع البنت ينبغي التنبيه إليها:
1. الأساس الأول في بناء الفتاة هو التركيز على حب الله وحب رسوله(صلّى الله عليه وآله)
وآهل بيته(عليهم السلام)، وتعليمُها الفرائض الدينية، ونشأتها منذ الصغر على الدين والفضيلة، وكيف تحافظ على حجابها، وشرفها، وقيمة المحافظة على دينها وأخلاقها، في ظل العالم الفاسد الذي نعيشه.
2. تربية البنت على خلق الحياء، فهو الحارس الأمين لها من الوقوع في المهالك؛ فإن مشت فعلى استحياء، زيها ورداؤها الحياء وسمتها، فقولها وفعلها وحركاتها يهذبه الحياء، كما قيل: (والحياء خير كله، ولا يأتي إلا بخير).
3. الكلمة الطيبة والرفق واللين في الأسلوب وسيلة مهمة في التربية، وإذا قارنها قلب مفعم بالمحبة والود من الوالدين عمل عمله وآتى أكله في تسديد السلوك، وله آثار نافعة، ويهدي إلى الاقتناع والقبول، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾[14].
4. تعاهد الفتاة بالتوجيه والتنبيه، فإن القلوب تغفل، ويقظتها النصح والتذكير، والذكرى تنفع المؤمنين، مع ترويضها على الانضباط بأحكام الشرع، في اللباس والحجاب ومسألة الاختلاط.
5. تغذية الفتاة بأسس ومفاهيم وضوابط تتمكن بها من التمييز بين الغث والسمين، وتفرّق بين الخطأ والصواب، وتوفّر لها مًلَكَة تكسبها القدرة على اكتشاف المظاهر الخادعة والخاطئة.
6. جفاف المشاعر الودية، وغياب معاني الحب في الأسرة، وانعدام أسلوب الحوار الهادئ يجعل الفتاة تبحث عن إجابات لأسئلتها الحائرة، وقد تكون بذلك صيداً سهلاً لرفيقات السوء أو غيرهن، وهذا يتطلب إحياء جلسات الإقناع والحوارات الأسرية وغمر البيت بمشاعر فياضة من الود والحب والاحترام.
7. الفراغ مشكلة كبرى في حياة الفتاة، وملء أوقات الفتيات بالنافع المفيد حصانة ووقاية، من ذلك حفظ القرآن وتلاوته وتفسيره، تعلّم ما يتعلق بالمرأة من أحكام، توسيع دائرة الثقافة النافعة، ممارسة الهوايات المفيدة، مرافقة البنت لأمها تصقل شخصيتها، وتكون دليلاً لها في حياتها، وتضيف إلى سيرتها دروسًاً ناصعة.
8. حسن اختيار الصديقة مسألة لا مساومة فيها، وعليه فإن الصداقة لها تأثير بالغ في السلوك والأفكار والثقافة الشخصية، فصديقات السوء كالشرر الملتهب، إذا وقع على شيء أحرقه، وفي الحديث: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)[15].
9. تأخير زواج الفتاة يترتب عليه مفاسد خلقية واجتماعية ونفسية، وعضلها بمنعها من الزواج لأغراض دنيوية جريمة في حق فتياتنا والمجتمع، قال تعالى: ﴿فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾[16].
10. أعظم الأخطار التي تؤثر في تربية البنات وجود القنوات الفضائية غير الأخلاقية في البيوت، فهي تهدد بهدم كل القيم، وتحارب الدين والفضيلة، وتورث العري والفساد والانحلال، وكذا بعض مواقع الشبكة العنكبوتية التي تهدم أكثر مما تبني، فالسلامة في البعد عنها، والسلامة لا يعدلها شيء.
[1] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص4.
[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص4.
[3] سورة الشورى: آية49- 50.
[4] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص6.
[5] المصدر السابق: ج6، ص5.
[6] المصدر السابق.
[7] المصدر السابق: ج6، ص6.
[8] المصدر السابق.
[9] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج15، ص118.
[10] المصدر السابق.
[11] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص219.
[12] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج15، ص115.
[13] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج21، ص514.
[14] سورة إبراهيم: آية24- 25.
[15] الأمالي، الشيخ الطوسي: ص518.
[16] سورة البقرة: آية232.