أهمية مرحلة الشباب وآدابها

لقد عُنِيَ الإسلام عناية خاصة بالشباب، وأولى هذه المرحلة أهمية بالغة اعتبارها المرحلة الأساسية في بناء شخصية الإنسان، وحمَّل الإنسان مسؤولية كبيرة عن تلك المرحلة الهامة من حياته، فقد ورد عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت)[1]، إنَّ أمراً يُقْرَن بحب أهل بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله) لخير دلالة على أهميته، وإشارة إلى ثقل المسؤولية عنه؛ ولهذا أكدت التعاليم الإسلامية على وجوب استثمار الإنسان لفترة شبابه، وعبرت عنه بالاغتنام؛ فذلك الاستثمار هو: (غنيمة) كبيرة وعظيمة، يقول رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (يا أبا ذر اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)[2].

ومن هنا أكدت الرسالة الإسلامية على وجوب تربية الشباب والاعتناء بهم وبنائهم بناءً فكرياً وروحياً وخلقياً؛ لأنَّهم مؤهلون لتقبل التعليم أكثر من غيرهم فهم أرق أفئدة، وأزكى نفساً، وأعلى همة.

ولهذا اهتم التشريع الإسلامي بشريحة الشباب لما تمثله من وسط إنساني واسع يتوقف على تطوّره وقدراته وصلاحه تطوّرُ الأمم وصلاحُها، لأنهم القوة الفاعلة والطاقة الكبيرة التي تمدّ الأمة بالحركة والنشاط والأمل الكبير في تطلّعاتها وطموحها نحو المستقبل.

ولأن هذه المرحلة في حياة الإنسان تعتبر أهم المراحل فهي تحدد المستقبل الفكري والعملي أو تساهم مساهمة كبيرة في تحديده لما تملكه هذه المرحلة من طاقات وطموحات متفجرة، ولهذه المرحلة آداب مهمة وهي:

1. الالتزام بتحديد الرمز والقدوة: إن مما يميز مرحلة الشباب هو ميل هذه الشريحة إلى تقليد الشخصيات المميزة والمشهورة في المجتمع، سعياً منهم لتحصيل الظهور والسمعة في أوساط مجتمعهم، ومحاولتهم التشبه به في حركاته وسكناته وفي ملابسه ومظهره، وهذه من المميزات المهمة، وهي سلاح ذو حدين، إذ إنّ ترك الشاب من غير توجيه من هذه الناحية وعدم تعيين من يكون مؤهلاً لكي يكون قدوة له في حياته، يرتسم خطاه، ويسير على منهجه وهديه، ويطمح لأن يكون مثله، يُنذر بخطر تقليد من ليس أهلاً للتقليد وذلك باختلال موازين الاختيار لديه التي على أساسها يختار القدوة الصالحة، والتي من أهمها أن تكون القدوة تتحلى بصفات يحبها الله عز وجل، وتتمتع بالأخلاق الحميدة، والفكر السديد، والإيمان الكامل المثمر، وهل نجد خيراً من رسول الله(صلّى الله عليه وآله) ووصيه علي(عليه السلام) وابنة نبيه فاطمة(عليها السلام) وأبناء علي وفاطمة(عليهم السلام) الحسن والحسين(عليهما السلام) والأئمة الأطهار(عليهم السلام) ليكونوا قدوة لنا ولأبنائنا.

فيجب علينا أن نحبب أهل البيت(عليهم السلام) لأبنائنا، بذكر أخلاقهم وصفاتهم وأعمالهم، ليكونوا قدوة لهم.

2. طلب العلم: قد ورد الحث على التفقه متواصلاً وبصيغة الوجوب مرة، وبالتهديد أخرى، وبالترغيب ثالثة، فإن العلم في مرحلة الشباب أكثر نفعاً وأكثر ضرورة وإلزاماً، لما في الشاب من النقاء والصفاء والقابلية لتلقّي وأخذ المعلومات والاستفادة منها، قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من النار فلينظر إلى المتعلمين..)[3]، وعن أمير المؤمنين(عليه السلام)  قال: (إن قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقي فيها شي إلا قبلته)[4]، وعنه(عليه السلام): (العلم في الصغر كالنقش في الحجر)[5]، وعنه(عليه السلام): (أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال)[6].

وأوصى الإمام الصادق(عليه السلام) أحد أصحابه: (عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير)[7]، وعنه(عليه السلام): (لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غادياً في حالين: عالماً أو متعلماً، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، فإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النار، والذي بعث محمداً بالحق)[8].

وعن الإمام الباقر(عليه السلام): (لو أتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه لأدبته...) وفي رواية أخرى (لا يتفقه في الدين لأوجعته)[9].

وعن الإمام الرضا(عليه السلام): (لو وجدت شاباً من شبّان الشيعة لا يتفقه لضربته ضربةً بالسيف)[10].

3. التعقل في كل أموره: لأن مرحلة الشباب مرحلة هَيَجان الرغبات والميول والعواطف والشهوات فإن التعقل في توجيه تلك الأمور توجيهاً صحيحاً أمرٌ مطلوب جداً في تلك المرحلة، قال الإمام الصادق(عليه السلام): (مَن مَلَك نفسَه إذا رغب وإذا رهب وإذا اشتهى وإذا غضب وإذا رضي حَرَّم الله جسده على النار)[11].

والعبادة هي أفضل وسيلة يمكنها أن تروض العواطف والميول والشهوات وأفضل ألوان العبادة هو جهاد النفس، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى[12].

قال الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله): (إن الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة ويقول: انظروا إلى عبدي ترك شهوته من اجلي)[13]، وعنه(صلّى الله عليه وآله): (فضل العابد الذي تعبَّد الله في صِباه على الشيخ الذي تعبَّد بعدما كبر سنه، كفضل المرسلين على سائر الناس)[14]، وعنه(صلّى الله عليه وآله): (ما من شاب يَدَعُ لله الدنيا ولهوَها وأهرَمَ شبابه في طاعة الله، إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صدّيقاً)[15].

4. اغتنام فرصة الشباب: ليعلم الشاب أنه لابدّ أن يَهرَم يوماً ما، وتضعف قوته، وتقل حيويته، فليعتبر بالآباء والأمهات والأجداد، وليصمم أن يجعل قوته ونشاطه في طاعة الله عزّ وجلّ، لأن الله يحب الشاب المؤمن المطيع له، وإذا عصى الله تعالى بادر بالتوبة قال النبي الأعظم(صلّى الله عليه وآله): (ما من شي أحب إلى الله تعالى من شاب تائب)[16].

5. اختر الأصدقاء الصالحين: اختيار الصديق الصالح الذي يسير في طريق الهداية والطريق المستقيم، له كل الأثر في سلوك القرين له، وعلى العكس تماماً لو صاحب أهل السوء والفسوق، قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (إياك ومصاحبة أهل الفسوق فإن الراضي بفعل قوم كالداخل معهم)[17].

6. الاهتمام بالزواج المبكر: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (ما من شاب تزوج في حداثة سِنّه إلا عَجَّ شيطانه: يا ويله، يا ويله عصم مني ثلث دينه، فليتق الله العبد في الثلث الباقي)[18]، وعنه(صلّى الله عليه وآله): (لَرَكعتان يصليهما متزوج أفضل من صلاة رجل عازب يقوم ليله ويصوم نهاره)[19].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام)  أنه قال: (من ترك التزويج مخافَةَ الفقر فقد أساء الظن بالله، إن الله عزّ وجلّ يقول: ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ[20])[21].

 


[1] الأمالي، الشيخ الصدوق: ص93.

[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج1، ص114.

[3] منية المريد، الشيخ زين الدين بن علي المعروف بالشهيد الثاني: ص72.

[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج74، ص200.

[5] المصدر السابق: ج1، ص224.

[6] الكافي، الشيخ الكليني: ج1، ص30.

[7] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج23، ص236.

[8] المصدر السابق: ج1، ص170.

[9] المصدر السابق: ج1، ص214.

[10] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج75، ص346.

[11] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج15، ص162.

[12] سورة النازعات: آية40-41.

[13] كنز العمال، المتقي الهندي: ج15، ص776.

[14] المصدر السابق: ج15، ص776.

[15] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج74، ص84.

[16] كنز العمال، المتقي الهندي: ج4، ص217.

[17] غرر الحكم، الآمدي: ص433.

[18] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج100، ص221.

[19] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج3، ص384.

[20]    سورة النور: آية32.

[21] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص197.