معطيات الإصلاح الحسيني

أعلن الإمام الحسين (عليه السلام) الهدف العام من نهضته في قوله المشهور (لطلب الإصلاح في أمة جدي) وهو هدف واقعي، فإن المجتمعات البشرية بحاجة دائمة للإصلاح، ومحاربة الفساد، لتحلّ محلّها القيم والمثل العليا والأخلاق الكريمة، وبناء جيل صالح يكون هو شعب المستقبل.

والإصلاح هو هدف ووظيفة الأنبياء (عليهم السلام) حيث قدموا أنفسهم ضحايا في سبيل العقيدة وإصلاح الأخلاق، وتركيز الفكر والثقافة، والتخلص من السلوك والعادات الفاسدة.

«وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رَدَّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين»[1].

وبهذه الكلمات حدد الإمام الحسين (عليه السلام) هوية الإصلاح الذي ينبغي له الفداء والتضحية، وهو الســعي من أجل تحقيق الإصلاح الشامل في الأمة، وليس تحقيق أية مصالح شخصية، أو السعي من أجل استلام منصب أو سلطة.

إن النهضة الإصلاحية التي قام بها (عليه السلام) تعلّمنا إن الاستعداد للتضحية وتقديم الغالي والنفيس هو طريق تحقيق الأهداف، وتحتاج إلى إرادة وعزيمة، وعمل دائم، ونشاط مستمر.

وفي عصرنا الحاضر لا بد للإنسان من التمييز بين الإصلاح الحقيقي الذي من أجله ثار الإمام الحسين (عليه السلام) ضد الواقع الفاسد، والإفساد المعلن بعنوان الإصلاح، فالمفسدون ربما يرفعون شعار الإصلاح، ويعتبرون أنفسهم من المصلحين، كما حكى الله تعالى عنهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ)[2].

وفي ذكرى استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) علينا أن نجدد الذكرى أيضاً مع الأهداف التي من أجلها ثار الإمام الحسين(عليه السلام) ضد الواقع المنحرف، والتي من أهمها : الإصلاح الشامل للأمة كما أوضحنا، ونتعلم منه كيف نكون من دعاة الإصلاح الشامل، ومن دعاة الحرية والديمقراطية، ولنمارس دور المصلح، وهو أمر مهم للغاية، فالكثير ربما يفهم معنى النهضة الحسينية ويبرز عطاءاتها ونتاجاتها لكنه لا يمتلك الإرادة في السير في هذا الطريق، فيكون خسارة للأمة، وتجميد للطاقة التي يمكن أن تكون عاملاً في نجاح المشروع الإصلاحي، فلا بد أن يتبنى كل شخص عملية الإصلاح حسب قدراته ومكانته وظروفه، كيف والإصلاح هو هدف كل الرسالات السماوية، وكل الأنبياء والأئمة، يقول الله تعالى على لسان نبيه شعيب(عليه السلام):
(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب)[3].

ويمكن تلخيص أهم مفردات الإصلاح الشامل والحقيقي الذي تحتاجه الأمة في عدّة أمور:

- الدعوة إلى مبدأ الحريات العامة

- احترام حقوق الإنسان، والحفاظ على الوحدة بين أطياف الشعب في أجواء التنوع القومي والديني والمذهبي

- تركيز مبدأ العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروة، وتكافؤ الفرص، والموازنة بين الحقوق والواجبات

- إشاعة ثقافة التسامح والحوار .. إلى آخره من مفردات مهمة في عملية الإصلاح الشامل والحقيقي.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (53)

 


[1] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج44، ص329.

[2] سورة البقرة: الآية 12.

[3] سورة هود: الآية  88.