الآداب في اختيار الأسماء

لا شك أن مسألة الأسماء من المسائل المهمة في حياة الناس، فالاسم هو عنوان المسمى ودليل عليه وضرورة للتفاهم معه ومنه وإليه، وهو للمسمى زينة ووعاء وشعار يُدعى به في الآخرة والأولى، وتنويه بالدين، وإشعار بأنه من أهل هذا الدين، وهو في طبائع الناس له اعتباراته ودلالاته.

فجاء الإسلام ليدعو إلى اختيار أسماء حسنى للأولاد، معتبراً أنّها من أولى حقوق الأولاد على والديهم، فقد ورد أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وسأله: ما حقّ ابني هذا؟ فأجاب(صلّى الله عليه وآله): (تحسِّن اسمه وأدبه وتضعه موضعاً حسناً)[1]، وعن الإمام الكاظم(عليه السلام): (أول ما يبر الرجل ولده أن يسميه باسم حسن، فليحسن أحدكم اسم ولده)[2].

وربط الإسلام بين تسمية الولد ونداء يوم القيامة حينما قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله) في ما ورد عنه: (استحسنوا أسماءكم فإنّكم تُدْعَوْن بها يوم القيامة، قم يا فلان بن فلان إلى نورك، وقم يا فلان بن فلان لا نور لك)[3].

تغيير الاسم:

لم يكتفِ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) بهذه الدعوة، بل كان يغيِّر عمليّاً الأسماء القبيحة في الناس والبلدان أيضاً، فعن الإمام الباقر(عليه السلام): (كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله) يغير الأسماء القبيحة من الرجال والبلدان)[4]، واقتدى أئمة أهل البيت(عليهم السلام) برسول الله(صلّى الله عليه وآله) في الدعوة والعمل، لتغيير الأسماء القبيحة إلى الحسنة، فقد روى أحد أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام)  أنّه دخل عليه وهو واقف على رأس ابنه موسى(عليه السلام)  وهو في المهد، فدنا هذا الرجل من الإمام فقال(عليه السلام): (اذهب فغيِّر اسم ابنتك التي سمّيتها أمس، فإنّه اسم يبغضه الله)، وكان الرجل كما يحدِّث عن نفسه قد سمى ابنته (حميراء) فغيَّر الرجل اسمها[5].

الاسم معنى وقدوة:

دعا الإسلام إلى تسمية الأولاد بملاحظة أمرين:

الأوّل: المضمون والمعنى: دعا إلى التسمية بالأسماء التي تحمل معنى العبوديّة كـ (عبد الله)، فعن النبيّ(صلّى الله عليه وآله): (ألا إنّ خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن...، وشرُّ الأسماء ضرار ومرّة وحرب وظالم)[6]، وعن الإمام الباقر(عليه السلام): (أصدق الأسماء ما سمّي بالعبودية...)[7].

الثاني: صلاح حال المسمى باسمه: فالوليد الجديد إذا سمي باسم سيكون صاحب ذلك الاسم بالنسبة له قدوة حسنة أو سيئة يقتدي به من حيث لا يشعر، ولذا ورد استحباب التسمية بأسماء الصالحين وأولهم الأنبياء(عليهم السلام)، فعن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)  وهو يتحدّث عن أفضل الأسماء: (...وأفضلها أسماء الأنبياء)[8]، وقد بيَّن نبيّ الإسلام أثر التسمية باسم الأنبياء حين قال(عليه السلام)  -في ما ورد عنه-: (إذا كان اسم بعض أهل البيت اسم نبيّ لم تزل البركة فيهم)[9]، وعنه(صلّى الله عليه وآله): (ما من أهل بيت فيهم اسم نبيّ إلّا بعث الله عزّ وجلّ إليهم ملكاً يقدِّسهم بالغداة والعشيّ)[10].

بركة بعض الأسماء:

اسم النبي الأكرم محمد(صلّى الله عليه وآله):

بما أنّ خاتم الأنبياء محمّداً(صلّى الله عليه وآله) هو سيّد بني البشر، وأفضل قدوة فيهم، فقد ورد الحثّ الأكيد على التسمية باسمه الشريف، بل ورد عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (من وُلد له ثلاثة بنين ولَمْ يسمِّ أحدهم محمّداً فقد جفاني)[11]، وحدَّثنا الإمام الرضا(عليه السلام) عن أثر التسمية باسم النبيّ الأكرم(صلّى الله عليه وآله) بقوله: (البيت الذي فيه اسم محمّد يصبح أهله بخير ويمسون بخير)[12]، وتأكيداً على استحباب التسمية باسم خاتم الأنبياء(صلّى الله عليه وآله) ورد استحباب تسمية كلّ ذكر باسم محمّد أوّل سبعة أيام، ثمّ إمّا يُترك على حاله أو يُغيَّر إلى اسم آخر، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): (لا يولد لنا مولود إلّا سمَّيناه محمّداً، فإذا مضى سبعة أيّام، فإذا شئنا غيَّرنا، وإلا تركنا)[13]، واحتراماً للنبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله) وردت خصوصيّة التعامل مع من سمِّي باسمه فعن النبيّ(صلّى الله عليه وآله): (إذا سمّيتم محمّداً فلا تقبّحوه، ولا تجبهوه، ولا تضربوه، بورك لبيت فيه محمّد، ومجلس فيه محمّد، ورفقة فيها محمّد)[14].

أسماء أهل البيت(عليهم السلام):

كما حبَّذ الإسلام وحثَّ على التسمية باسم محمّد(صلّى الله عليه وآله) لما في ذلك من أثر طيّب وتعزيز للقدوة الصالحة، فقد حثَّ على التسمية بأسماء أهل بيته الكرام(عليهم السلام)
لنفس ذلك السبب، فقد ورد أن أحدهم سأل الإمام: فينفعنا ذلك؟ فقال(عليه السلام): (إي والله وهل الدين إلّا الحب، قال الله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾)[15]، وعن الإمام أبي الحسن(عليه السلام)  قوله: (لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء)[16].

اسم أمير المؤمنين علي(عليه السلام):

من بين أسماء أهل البيت(عليهم السلام) أكَّد أهل بيت العصمة على التسمية باسم عليّ(عليه السلام) وبيَّنت الأحاديث الأثر الطيّب لهذه التسمية المباركة، فقد ورد أنّ الإمام الباقر(عليه السلام)  قال لابن صغير: (ما اسمك؟ قال: محمّد، قال بم تكنّى؟ قال: بعليّ، قال أبو جعفر: لقد احتظرت من الشيطان احتظاراً شديداً، إن الشيطان إذا سمع منادياً ينادي: يا محمّد، أو يا عليّ، ذاب كما يذوب الرصاص)[17].

اسم فاطمة(عليها السلام):

أعطى الإسلام مزيّة لاسم فاطمة، كرامة للسيّدة الزهراء(عليها السلام)، فإضافة إلى ما ورد من أنّ البيت الذي فيه بنت اسمها فاطمة لا يدخله الفقر كما تقدّم، ورد عن السكوني أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام) وأنا مغموم مكروب فقال لي: (يا سكوني ما غمّك؟ قلت ولدت لي ابنة، فقال(عليه السلام): يا سكوني على الأرض ثقلها، وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك، فسرّى والله عنّي، فقال: ما سميّتها؟ قلت: فاطمة، قال: آه آه آه، -ثمّ وضع يده على جبهته، إلى أن قال(عليه السلام)-: أمَّا إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها)[18].

كنية الولد:

كما اهتمّ الإسلام بحسن التسمية اهتمّ أيضاً بحسن الكنية، من هنا جاءت دعوة النبيّ الأكرم(صلّى الله عليه وآله) إلى الكنية الحسنة بقوله: (ويسمّى بأحسن الأسماء ويكنِّيه بأحسن الكُنَى)[19]، لكن مع كراهة في بعض الكُنى منها أن يكنّى من اسمه محمّد بأبي القاسم[20]؛ فإنّ هذه الكنية مع هذا الاسم مختصّان بالنبيّ الأكرم(صلّى الله عليه وآله)، ولأجل أن يزيد الإسلام من أواصر العلاقة بين الوالد والولد دعاء إلى أن يكنَّى الولد باسم أبيه، فإذا كان اسم الأب (عليّاً)، يكنّى ابنه بـ«أبي عليّ» وهذا ما يشعر الولد بمزيد علاقة ودّ بأبيه وهو يكنّى باسمه، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): (من السنّة والبرّ أن يكنّى الرجل باسم أبيه)[21].

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج21، ص390.

[2] المصدر السابق: ج21، ص389.

[3] المصدر السابق.

[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج101، ص127.

[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج21، ص389.

[6] المصدر السابق: ج21، ص399.

[7] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص18.

[8] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص18.

[9] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج15، ص129.

[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج21، ص392.

[11] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج101، ص130.

[12] المصدر السابق: ج101، ص131.

[13] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج101، ص131.

[14] المصدر السابق: ج16، ص239.

[15] المصدر السابق: ج27، ص95.

[16] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص19.

[17] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص20.

[18] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج21، ص482.

[19] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج101، ص126.

[20] المصدر السابق: ج101، ص126.

[21] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص162.