شرّع الله لهذه الأُمة من الشّرائع أيسرها عملاً، وأسهلها فعلاً، وأعظمها ثواباً، وأعمها خيراً، ومن أجلّ هذه الفرائض فريضة الصلاة التي فرضت من فوق سبع سماوات خمسين صلاة، ثم خففت فضلاً من الله ونعمة وتيسيراً ورحمةً إلى خمس صلوات في اليوم والليلة: صلاة الفجر، صلاة الظهر، صلاة العصر، صلاة المغرب، صلاة العشاء. وهي خمس في العدد وخمسون في الأجر.
إن الله تعالى يمحو الخطايا بالصلوات الخمس، وهي نور في الدنيا والآخرة، مُنزلة للرحمة وجالبة للرزق، وسبب لتكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفع الدرجات.
قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾[1]، المراد بالصبر الصوم، وفائدة الإستعانة به أنه يذهب بالشّره وهوى النفس، وفائدة الإستعانة بالصلاة، ما فيها من تلاوة للقرآن والتدبر لمعانيه والإتعاظ بمواعظه والإئتمار بأوامره والإنزجار عن نواهيه، فضلاً عن لقاء الله تعالى والتعرض لأنوار رحمته ومغفرته وما يمثله هذا اللقاء اليومي من تقوية العلاقة بين العبد وربّه، والتي لها كل الأثر في الدنيا حتى لا ينغمس الإنسان في عالم الدنيا وينسى الآخرة، وكان النبي(صلّى الله عليه وآله) إذا أحزنه أمر إستعان بالصلاة والصوم، وخصّ الله الصلاة بالذكر في الآية الكريمة بـ «كبيرة» لقربها منه، ولأنها الأهمّ والأفضل، ولها آداب وسنن:
1. السِّواك: فعن أبي عبد الله الصادق، عن آبائه(عليهم السلام): قال: قال الرسول الله(صلّى الله عليه وآله): (رَكعَتانِ بِسِواكٍ أفضَلُ مِن سَبعينَ رَكعَةً بِغَيرِ سِواكٍ)[2].
2. الزّينَة: قال الإمام الصادق(عليه السلام) لمّا سَأَلَهُ أبو بَصيرٍ عَن قَولِهِ تَعالى: ﴿خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ﴾ قال: (هو المَشطُ عِندَ كُلِّ صَلاةِ فَريضَةٍ ونافِلَةٍ)[3].
وفي دعائم الإسلام عن النبي(صلّى الله عليه وآله): (لا تُصَلِّي المَرأَةُ إلّا وعَلَيها مِنَ الحَلي خُرصٌ (الحلقة) فَما فَوقَهُ، إلّا أن لا تَجِدَهُ)[4].
3. الطّيب: عن عَبدُ اللهِ بنِ الحارِثِ: (كانَت لِعَليِّ بنِ الحُسَينِ(عليهما السلام) قارورَةُ مِسكٍ في مَسجِدِهِ، فَإِذا دَخَلَ لِلصَّلاةِ أخَذَ مِنهُ فَتَمَسَّحَ بِه)[5].
وعن الإمام الرضا(عليه السلام): (كانَ يُعرَفُ مَوضِعُ سُجودِ أبي عَبد ِاللهِ(عليه السلام) بِطيبِ ريحِهِ)[6].
وعن الإمام الصادقر: (رَكعَتانِ يُصَلّيهِما مُتَعَطِّرٌ أفضَلُ مِن سَبعينَ رَكعَةً يُصَلّيها غَيرُ مُتَعَطِّرٍ)[7].
4. التَّخَتُّم: عن الحسين بن علي(عليهما السلام) أنه قال: قال لي رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (يا بُنَيَّ، تَخَتَّم بِالياقوتِ والعَقيقِ، فَإِنَّهُ مَيمونٌ مُبارَكٌ، فَكُلَّما نَظَرَ الرَّجُلُ فيهِ إلى وَجهِهِ يَزيدُ نورًا، وَالصَّلاةُ فيهِ سَبعونَ صَلاةً)[8].
وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال: (خَرَجَ عَلَينا رَسولُ اللهِ(صلّى الله عليه وآله) وفي يَدِهِ خاتم فضّة جَزعٌ يَمانيٌّ فَصَلّى بِنا، فَلَمّا قَضى صَلاتَهُ دَفَعَهُ إلَيَّ وقالَ: يا عَليُّ تَخَتَّم بِهِ في يَمينِكَ وصَلِّ فيهِ أوَما عَلِمتَ أنَّ الصَّلاةَ فِي الجَزعِ سَبعونَ صَلاةً؟!)[9].
5. الصلاة أوَّلِ الوَقتِ: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله) قال: (الوَقتُ الأَوَّلُ مِنَ الصَّلاةِ أفضَلُ مِنَ الوَقتِ الآخِرِ كَفَضلِ الآخِرَةِ عَلَى الدُّنيا)[10].
وعن الإمام الباقر(عليه السلام): (إنَّ الصَّلاةَ إذَا ارتَفَعَت في أوَّلِ وَقتِها رَجَعَت إلى صاحِبِها وهيَ بَيضاءُ مُشرِقَةٌ تَقولُ: حَفِظتَني حَفِظَكَ اللهُ، وإذَا ارتَفَعَت في غَيرِ وَقتِها بِغَيرِ حُدودِها رَجَعَت إلى صاحِبِها وهيَ سَوداءُ مُظلِمَةٌ تَقولُ: ضَيَّعتَني ضَيَّعَكَ اللهُ)[11].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال في قَولِهِ تَعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾: (تأخيرُ الصَّلاةِ عَن أوَّلِ وَقتِها لِغَيرِ عُذرٍ)[12].
6. أداءُ الفَريضَةِ فِي المَسجِدِ: عن جابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ: (فَقَدَ النَّبيُّ(صلّى الله عليه وآله) قَومًا فِي الصَّلاةِ فَقالَ: ما خَلَّفَكُم عَنِ الصَّلاةِ؟ قالوا: لِحاء (نزاع) كانَ بَينَنا، فَقالَ: لا صَلاةَ لِجارِ المَسجِدِ إلّا فِي المَسجِدِ)[13].
وعن الإمام الصادق(صلّى الله عليه وآله): (صَلاةُ الرَّجُلِ في مَنزِلِهِ جَماعَةً تَعدِل أربَعًا وعِشرينَ صَلاةً، وصَلاةُ الرَّجُلِ جَماعَةً فِي المَسجِدِ تَعدِلُ ثَمانيَ وأربَعينَ صَلاةً مُضاعَفَةً فِي المَسجِدِ... إنَّ الصَّلاةَ فِي المَسجِدِ فَردًا بِأربَعٍ وعِشرينَ صَلاةً، والصَّلاةُ في مَنزِلِكَ فَردًا هَباءً مَنثورًا لا يَصعَدُ مِنهُ إلَى اللهِ شَيءٌ، ومَن صَلّى في بَيتِهِ جَماعَةً رَغبَةً عَنِ المَسجِدِ فَلا صَلاةَ لَهُ ولا لِمَن صَلّى مَعَهُ إلّا مِن عِلَّةٍ تَمنَعُ مِنَ المَسجِدِ)[14].
7. الدُّعاءُ قبل البدء بالصلاة: عن الإمام الصادق(عليه السلام): (كانَ أميرُ المُؤمِنينَ(عليه السلام) يَقولُ لِأَصحابِهِ: مَن أقامَ الصَّلاةَ وقالَ قَبلَ أن يُحرِمَ ويُكَبِّرَ: يا مُحسِنُ قَد أتاكَ المُسيءُ وقَد أمَرتَ المُحسِنَ أن يَتَجاوَزَ عَنِ المُسيءِ، وأنتَ المُحسِنُ وأنَا المُسي ءُ، فَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وتَجاوَز عَن قَبيحِ ما تَعلَمُ مِنّي، فَيَقولُ اللهُ تَعالى: مَلائِكَتِي اشهَدوا أنّي قَد عَفَوتُ عَنهُ وأرضَيتُ عَنهُ أهلَ تَبِعاتِهِ)[15].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): (إذا قُمتَ إلَى الصَّلاةِ، فَقُل: اللّهُمَّ إنّي اُقَدِّمُ إلَيكَ مُحَمَّدًا(صلّى الله عليه وآله) بَينَ يَدَي حاجَتي وأتَوَجَّهُ بِهِ إلَيكَ، فَاجعَلني بِهِ وَجيهًا عِندَكَ فِي الدُّنيا والآخِرَةِ ومِنَ المُقَرَّبينَ، اجعَل صَلاتي بِهِ مَقبولَةً، وذَنبي بِهِ مَغفُورًا، ودُعائي بِهِ مُستَجابًا، إنَّكَ أنتَ الغَفورُ الرَّحيمُ)[16].
8. الاِستِعاذَة: عن حَنانُ بنُ سَديرٍ: (صَلَّيتُ خَلفَ أبي عَبد ِاللهِ(عليه السلام) فَتَعَوَّذَ جِهاراً: أعوذُ بِاللهِ السَّميعِ العَليمِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ، وأعوذُ بِاللهِ أن يَحضُرونِ...)[17].
9. الجَهرُ بِالبَسمَلَةِ: عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: (كانَ رَسولُ اللهِ(صلّى الله عليه وآله) إذا صَلّى بِالنّاسِ جَهَرَ بِبِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ)[18].
وعن الإِمام الرِّضا(عليه السلام) أنه قال: (الإجهار بِبِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ في جميع الصلوات سُنّة).[19]
10. سُكونُ الأَطرافِ: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (مِن تَمامِ الصَّلاةِ سُكونُ الأَطرافِ)[20].
11. التَّأَنّي: قال الإمام الصادق(عليه السلام): (إذا صَلَّيتَ وَحدَكَ فَأَطِلِ الصَّلاةَ فَإِنَّهَا العِبادَةُ)[21].
12. الخشوع وحضور القلب: وهي من أهم الأمور التي ينبغي مراعاتها قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليصلّ صلاة مودّع)[22].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): (إذا إستقبلت القبلة فانسَ الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، إستفرغ قلبك عن كل شاغل يشغلك عن الله، وعاين بسرّك عظمة الله، وأذكر وقوفك بين يديه يوم تبلو كل نفس ما أسلفت ورُدّوا إلى الله مولاهم الحق، وقف على قدم الخوف والرجاء)[23].
13. إرغامُ الأَنفِ: عن الإمام الباقر(عليه السلام): (قالَ رَسولُ اللهِ(صلّى الله عليه وآله): السُّجودُ عَلى سَبعَةِ أعظُمٍ: الجَبهَةِ واليَدَينِ والرُّكبَتَينِ والإِبهامَينِ، وتُرغِمُ بِأَنفِكَ إرغامًا. فَأمَّا الفَرضُ فَهذِهِ السَّبعَةُ، وأمَّا الإِرغامُ بِالأَنفِ فَسُنَّةٌ مِنَ النَّبيِّ(صلّى الله عليه وآله))[24].
14. قراءة سورتي التوحيد والقدر أو الجحد في الفرائض: عن أبي عبد الله
الصادق(عليه السلام): (إن الله أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وآله ليلة الإسراء في الركعة الأولى أن اقرأ قل هو الله أحد فإنها نسبتي ونعمتي، ثم أوحى إليه في الثانية بعد ما قرأ الحمد أن اقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر فإنها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة)[25].
وعنه(عليه السلام): (من قرأ إنا أنزلناه في فريضة من الفرائض، نادى منادٍ: يا عبد الله قد غفرتُ لك ما مضى فاستأنف العمل)[26].
وعن الإمام الرضا(عليه السلام) عن آبائه عن علي(عليهم السلام) قال: (صلى بنا رسول الله(صلّى الله عليه وآله)
صلاة السفر، فقرأ في الأولى الجحد، وفي الثانية التوحيد، ثم قال: قرأت لكم ثلث القرآن وربعه)[27].
ختامه مسك:
نُمَتُع أبصارنا وقلوبنا وجوارحنا بهذه الرواية الجامعة لآداب الصلاة فقد سئل بعض العلماء من آل محمد(صلّى الله عليه وآله) حيث قيل له: (جعلت فداك ما معنى الصلاة في الحقيقة؟ قال: صلة الله للعبد بالرحمة، وطلب الوصال إلى الله من العبد إذا كان يدخل بالنية، ويكبر بالتعظيم والإجلال، ويقرأ بالترتيل، ويركع بالخشوع، ويرفع بالتواضع، ويسجد بالذل والخضوع، ويتشهد بالإخلاص مع الأمل ويُسلّم بالرحمة والرغبة، وينصرف بالخوف والرجاء، فإذا فعل ذلك أداها بالحقيقة، ثم قيل: ما أدب الصلاة؟ قال: حضور القلب، وإفراغ الجوارح، وذُلُّ المقام بين يدي الله تبارك وتعالى، ويجعل الجنة عن يمينه، والنار يراها عن يساره، والصراط بين يديه، والله أمامه.
وقيل: إن الناس متفاوتون في أمر الصلاة، فعبد يرى قرب الله منه في الصلاة وعبد يرى قيام الله عليه في الصلاة، وعبد يرى شهادة الله في الصلاة، وعبد يرى قيام الله له في الصلاة، وهذا كله على مقدار مراتب إيمانهم.
وقيل: إن الصلاة أفضل العبادة لله، وهي أحسن صورة خلقها الله، فمن أدّاها بكمالها وتمامها فقد أدى واجب حقها، ومن تهاون فيها ضرب بها وجهه)[28].
[1] سورة البقرة: آية45.
[2] المحاسن، الشيخ أبي جعفر أحمد بن محمد البرقي: ص561.
[3] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج73، ص116.
[4] دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي: ج2، ص162.
[5] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص515.
[6] المصدر السابق: ج6، ص511.
[7] ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق: ص40.
[8] دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي: ج2، ص164.
[9] عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، الشيخ الصدوق: ج2، ص140.
[10] الكافي، الشيخ الكليني: ج3، ص274.
[11] المصدر السابق: ج3، ص268.
[12] تفسير القمي، الشيخ علي بن ابراهيم القمي: ج2، ص444.
[13] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي: ج1، ص92.
[14] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج5، ص240.
[15] فلاح السائل، السيد ابن طاووس: ص155.
[16] الكافي، الشيخ الكليني: ج3، ص309.
[17] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج6، ص135.
[18] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج82، ص74.
[19] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج6، ص76.
[20] الجامع الصغير، جلال الدين السيوطي: ج2، ص543.
[21] دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي: ج1، ص152.
[22] الخصال، الشيخ الصدوق: ص625.
[23] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج4، ص95.
[24] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج6، ص343.
[25] المصدر السابق: ج6، ص78.
[26] المصدر السابق: ج6، ص79.
[27] المصدر السابق: ج6، ص82.
[28] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج81، ص246.