تعيش بعض الشعوب تحت ظلم وجور حكّامها، فيكون الحرمان من حقوقهم في العمل والوظائف والدراسة وغير ذلك مما يجب على تلك الحكومات توفيرها لشعوبها، وينبغي للشعب الواعي مع المطالبة بالحقوق بالطرق المشروعة، أن يعمل على تنمية ذاته أفراداً وجماعات، وأن يصنع لنفسه فرصاً يحاول عن طريقها تعويض بعض الحرمان.
ومن عوامل التنمية في هذا الموضع سعي الناس ـ خصوصاً الشباب ـ إلى إتقان مهنة وكسب تخصّص في عمل ما، والاجتهاد في العمل بإخلاص وحرص، فإنّ في ذلك تتحقق فوائد مهمّة للفرد والمجتمع، منها:
1- تحصيل مورد مالي ينفق به على نفسه وعائلته.
2- هو وسيلة فاعلة في القضاء على قسم كبير من وقت الفراغ بدلاً من قضائه في التفكير غير النافع.
3- سوف يسري النفع إلى المجتمع باعتباره مكون من أعمال ومشاريع الأفراد.
4- اكتساب التجارب والخبرات التي تصقل عقله وتزيد خبرته ليكون قادراً على مواجهة مشاكل الحياة بحكمة وأمان.
5- إنّ من سعادة الإنسان أن يطيب مكسبه، والمال كلّما كان التعب في تحصيله أكثر كان أكثر طيباً وبركة.
6- إنّ العمل يعتبر أحد أسباب التوفيق الإلهي، فإنّ الله سبحانه وتعالى يحبّ الإنسان الكادح الذي يجهد نفسه بالكسب والعمل، ويبغض العاطل والمهمل ممّن يكون كَلّاً على غيره، أو يقضي أوقاته باللهو واللعب.
وعلى مبدأ بدلاً من أن تلعن الظلام اشعل شمعة، ينبغي أن لا يفوت زمن الشباب من دون إتقان مهنة أو تخصّص ٍ في مجال ما يكسبه الخبرة والمهارة، فإنّ الله سبحانه جعل في الشباب طاقات ٍ نفسيّة ً و جسديّة ً ليكوّن المرء من خلالها رأس مال ٍ لحياته، فلا يضيعن بالتلهّي والإهمال والأمور غير النافعة.
كما أنّ الاهتمام بالمهنة حدّ الإتقان والخبرة العالية يجعل الإنسان يسير في حياته ببصيرة ودراية، فالقواعد المشتركة بين جميع المجتمعات تعيب الفرد الذي يتكلّم بغير علم أو فهم، وذلك الذي يعمل على غير خبرة واختصاص.
ومن الإخلاص في الأعمال والمهن أَلّا يكون همّ العامل متعلّق بمجرّد جمع المال بأيّ وسيلةٍ، فإنّه لا بركة في المال من غير حلٍّ، وإنّ حصول المال من غير حلٍّ لا يجعل صاحبه في مأمن من أن يبتليه الله تعالى بمشاكل وتعقيدات في حياته ربما تضطرّه إلى خسارته أو التنازل عنه مع مزيد من العناء والابتلاء، فلا يغنيه ويسعده في الدنيا، ويكون وبالاً عليه في الآخرة.
حب العمل والإنتاج والعطاء يفرض على العامل أن يجعل نفسه ميزاناً بينه وبين غيره فيكون عمله لغيره على نحو ما يعمله لنفسه، ويحبّ أن يعمله له الآخرون، وليحسن كما يحب أن يُحسن الله سبحانه إليه، وليراع أخلاقيات المهنة ولياقاتها، فلا يتشبث بالطرق الوضيعة التي يستحي من أن يعلنها.
الأمانة من مقوّمات التنمية، فإنّ صاحب المهنة المتخصّص مؤتمن على عمله من قِبَل مَن يعمل له ويرجع إليه، حتى لو لم يتم التصريح بذلك، ومن مقتضيات الأمانة أن يجعل من نفسه ناصحاً له ولكلّ مَن يتعلّق بالعمل، ويراقب نفسه في ذلك دون غفلة، فإنّ الشيطان إنّما يقتنص غفلة المؤمن وسهوه، فإنّ الله تعالى رقيب عليه وناظر إلى عمله، ومستوفٍ منه إن عاجلاً أو آجلاً، وأنّ الخيانة والغدر لهما أقبح الأعمال عند الله سبحانه وأخطرها من حيث العواقب والآثار.
وبما أنّ العلم والتعلّم هو مقدّمة للعمل وامتهان المهن فينبغي أن يهتمّ طلّاب العلم الجامعي والأساتذة بالإحاطة بما يتعلّق بمجال تخصّصهم، فإنّ مرحلتهم في اكتساب العلوم والخبرات هي التي تنبثق منها سائر المراكز العلمية، بل ينبغي عليهم الاهتمام بالجانب التطويري للعلوم التي يدرسونها، وذلك من خلال المقالات العلمية النافعة والاكتشافات الرائدة، وممارسة المنافسة العلمية مع المؤسسات والمراكز الأخرى حسب الإمكانات المتاحة ولو كانت متواضعة، والمساهمة الفعّالة في صناعة العلم وتوليده وإنتاجه، فإن شعورهم بالركود مجرد كونهم تلامذة لغيرهم في تعلّمها ومستهلكين للآلات والأدوات التي يصنعونها؛ كلّ ذلك لا يقربهم إلّا من الكسل والإحباط، وبالتالي قلّة وتراجع العطاء. بل يساهموا مساهمة فعّالة في صناعة العلم وتوليده وإنتاجه[1].
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (69)
[1] مقتبس من وصايا سماحة السيد السيستاني دام ظله بتصرف.