إقناع الآخرين من أهم ما يحتاجه الإنسان في إيصال الأفكار والآراء لأخيه الإنسان، وهو وسيلة مهمة في حل كثير من المشكلات التي نعانيها مع الآخرين، وهو أيضاً وسيلة ناجحة في كسب ثقة الآخرين واطمئنانهم على ما نسوقه من أشياء نريد إيصالها لهم، لأن للإقناع سلطة روحيّة على الآخرين، دون سلطة المال أو القوة، باعتباره أسلوباً يناغم العقل والقلب معاً، فهو المفتاح السرّي للنجاح مع الآخرين.
وبما إن الإقناع فنٌ من الفنون، فهو يحتاج إلى مهارات وتدريبات وتمرينات، لأن آلة الإقناع تلك، لا يحسن قيادتها إلا من امتلك تلك المهارات العالية، وتفنن بها.
وخير من مثّل الطريقة الناجحة للإقناع، وأبدع في اختيار أدواته ووسائله، هو الخاتم المصطفى (صلى الله عليه وآله)،
حينما بُعث في العالمين، وأُرسل إليهم مخاطباً إيّاهم بأجمل الخطاب، فروَّضَ النفوس، وملك العقول، وأخرجهم من الظلمات إلى النور.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) بحقِّ رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ الأَنْبِيَاءِ، ومِشْكَاةِ الضِّيَاءِ وذُؤَابَةِ الْعَلْيَاءِ، وسُرَّةِ الْبَطْحَاءِ، ومَصَابِيحِ الظُّلْمَةِ، ويَنَابِيعِ الْحِكْمَةِ، طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ، قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ، وأَحْمَى مَوَاسِمَهُ، يَضَعُ ذَلِكَ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، مِنْ قُلُوبٍ عُمْيٍ، وآذَانٍ صُمٍّ، وأَلْسِنَةٍ بُكْمٍ، مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ، ومَوَاطِنَ الْحَيْرَةِ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِأَضْوَاءِ الْحِكْمَةِ، ولَمْ يَقْدَحُوا بِزِنَادِ الْعُلُومِ الثَّاقِبَةِ، فَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالأَنْعَامِ السَّائِمَةِ، والصُّخُورِ الْقَاسِيَةِ، قَدِ انْجَابَتِ السَّرَائِرُ لأَهْلِ الْبَصَائِرِ، ووَضَحَتْ مَحَجَّةُ الْحَقِّ لِخَابِطِهَا، وأَسْفَرَتِ السَّاعَةُ عَنْ وَجْهِهَا، وظَهَرَتِ الْعَلَامَةُ لِمُتَوَسِّمِهَا)[1].
إذن، نرجع إلى سؤالنا الأَساسي: كيف نكون مؤثرين بالغير؟ وكيف نُقنعهم بآرائنا؟
وفي مقام الجواب نقول: إن ذلك يمكن أن يحصل من خلال جملة أمور منها:
1-قبل كل شيء لا بدَّ وأن يكون لدينا ثقةٌ بالله تعالى على إقناع الغير، وأن قدرتنا هذه على الإقناع هي حبوةٌ إلهية علينا، فعلى هذا الأساس اطرح أفكارك بثقة عالية من دون خوف وجُبن وتردد، لأن المستمعين لك إذا تحسّسوا نقصان فكرتك أو ما تطرحه كان ناقصاً بسبب الخوف أو الجُبن، فإن كلّ ما قدّمتَه سينهدم من الأساس.
2-معرفة مستويات المخاطَبين، فالأشخاص الناجحون بإقناع الغير هم الذين يعرفون المخاطَبين ونفسياتهم وثقافاتهم ولغتهم، قال تعالى: (وَمَآ أَرسَلنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَومِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم)[2].
فإن مخاطبة الناس بلغتهم وبمستوى ثقافتهم، له وقع خاص في نفوسهم ويساهم بشكل كبير في إقناعهم.
3-مجانبة الأساليب الهجومية التي تنفر الآخرين، والميل إلى الأساليب اللينة والهادئة، فإن لها تأثيراً بالغاً على المقابل لذلك أننا نرى أن الله تعالى قد طلب من النبي موسى وهارون (عليه السلام) أن يذهبا إلى فرعون ويقولا قولاً ليّناً مع شدّة طغيانه وتجبّره، قال تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)[3].
4-كن محافظاً على لغة الجسد الإيجابية، فحركات يديك، وإيماءات وجهك، ونبرات صوتك، تجذب المستمعين، وتعزّز ما تطرحه من أفكار في نفوس الآخرين، لأن المقابل يعتبرها كواشف عن الصواب عندك، بل إنّ حماس الصوت، والحفاظ على النظرات، هي حركات للمحترفين في لغة الجسد الإيجابية.
5-الاعتراف أمام المستمعين بأن أفكارك ليست هي المثالية، وليست هي الأوحدية التي لا تقبل الأثنينية، بل تبيِّن لهم أن كل ما تطرحه من براهين وإثباتات قابلة للتفاوض والنقاش، وتبيّن لهم أنك شخصٌ منفتحٌ على الآخرين، غير منغلق ولا مقفل، لأنّ من أهمّ الأساليب الناجحة في جذب الآخرين وكسب قناعتهم، هي بيان أنك لست دكتاتورياً بفكرك وآرائك.
6-تبسُّمك في وجه الآخرين صدقة، والتبسم مجْلَبَة للحبّ والودّ والقبول، وهو سببٌ لقبولك عند الآخرين.
7-وأخيراً: حاول أن تحفظ أسماء المستمعين، وإذا أردْتَ مخاطبتهم والكلام معهم وإقناعهم فخاطبهم بأسمائهم أو بكناهم أو بألقابهم، لأن ذلك أوثق في الاحترام، وأسرع في قبولك لديهم.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (22)