ومن هنا ينحصر الأمر بالإصلاح النسبي الراجع لتخفيف الفساد، إما على الصعيد الفردي بالتربية الصالحة، والموعظة الحسنة، والتثقيف الديني السليم، وإما على الصعيد الاجتماعي العام، بتخفيف نسبة الفساد فيه ولو إلى أمد قصير. فإن الميسور لا يترك بالمعسور، وما لا يدرك كله لا يترك كله.
نعم، لابد...
أولاً: من إحراز المبرر الشرعي للتحرك.
وثانياً: من الموازنة الموضوعية بين الخسائر التي تقع في طريق العمل، والفوائد المترتبة عليه، بحيث يكون العمل مثمراً ولازماً أو سائغاً.
وذلك يختلف باختلاف الظروف والمقارنات. كما تختلف فيه وفي أساليبه الأنظار والقناعات. ولكل وجهة نظره، وهو يتحمل مسؤولية عمله، من دون أن يتحمل الإسلام سلبيات ذلك. والحساب على الله عز وجل.
وثالثاً: من الإصحار بالهدف على حقيقته، وعدم إطلاق الدعاوى العريضة والمواعيد الكبيرة من أجل جمع الأعوان والتغرير بالناس. كل ذلك للحفاظ على سلامة آلية العمل، كما سبق.
وهذه الحقيقة وإن كانت مرة، إلا أنها واقع قائم لا مفر منه، ويجب الاعتراف به، نتيجة النظرة الموضوعية، ثم التعامل مع هذا الواقع بحكمة وروية، وبعد نظر، بعيداً عن النظرة العاطفية، والمواقف الانفعالية.
وقد سبق أن ذلك لم يكن يخفى على الإمامين الشهيدين أمير المؤمنين والحسين (صلوات الله عليهما)، وأنهما لم يقدما على ما أقدما عليه من أجل تحقيق العدل المطلق، وإقامة النظام الإسلامي الأكمل، بل كان هدفهما رضا الله سبحانه وتعالى والقيام بتكليفه.
وقد ظهر لنا من ثمرات تحركهما وجهادهما كبح جماح الانحراف في الدين، وتخفيف الفساد، بظهور صوت الحق المنكر عليه، وإقامة الحجة على الحق، وإسماع دعوته، وقطع العذر على من يخرج عنه... إلى آخر ما تقدم.