استغلال المعارضة للفاجعة ضد الحكم الأموي[1]
هذا كله مضافاً إلى أن الجريمة - بأبعادها الواقعية والعاطفية – قد استغلت على أتم وجوه الاستغلال من قبل المعارضة.
وأظهرها في ذلك الوقت عبد الله بن الزبير العدو اللدود لأهل البيت (صلوات الله عليهم) ولعموم بني هاشم، كما تشهد بذلك مواقفه المشهورة. وقد أشرنا لبعضها في المقدمة[2] ، ويأتي الإشارة لبعضها في الموضع المناسب.
ومع ذلك فقد حاول أن يستغل الفاجعة لصالحه. فقد كان في جملة كلامه - بعد أن ذمّ أهل العراق عامة والكوفة خاصة - أن ذكر الإمام الحسين (عليه السلام) فقال:
((ولكنه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة. فرحم الله حسيناً وأخزى قاتل حسين... أفبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم، ونصدق قولهم، ونقبل لهم عهداً؟! لا ولا نراهم لذلك أهلاً. أما والله لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه، أحق بما هم فيه منهم، وأولى به في الدين والفضل. أما والله ما كان يبدل بالقرآن الغناء، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء، ولا بالصيام شرب الحرام، ولا بالمجالس في حلق الذكر الركض في تطلاب الصيد فسوف يلقون غياً)) يعرض بيزيد.
فشار إليه أصحابه، فقالوا له: ((أيها الرجل أظهر بيعتك، فإنه لم يبق أحد - إذ هَلك حسين - ينازعك هذا الأمر)). وقد كان يبايع سراً، ويظهر أنه عائذ بالبيت. فقال لهم: ((لا تعجلوا))[3].
وهكذا حاول أن يجعل من فاجعة الطف مبرراً للامتناع من بيعة يزيد وإنكار شرعية حكمه، والدعوة للخروج عليه.
ولنكتف بهذا المقدار في بيان ردود الفعل السريعة من قِبَل المسلمين نتيجة هول الفاجعة. ويأتي إن شاء الله تعالى في المقام الثالث من المبحث الثاني من الفصل الأول من المقصد الثاني تمام الكلام في التداعيات اللاحقة للفاجعة عند إيضاح أن فاجعة الطف حققت هدفها على الوجه الأكمل.
[1] السيد محمد سعيد الحكيم، فاجعة الطف، الطبعة السابعة، 1442هـ-2021م، القسم الأول: ص133.
[2] تقدم ذلك في بيان أبعاد الفاجعة عند التعرض لأن قتل الإمام الحسين (عليه السلام) هو أعظم الجرائم فيها.
[3] تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٣٦٤ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر سبب عزل يزيد عمرو بن سعيد عن المدينة وتوليته عليها الوليد بن عتبة، واللفظ له. الكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ٩٨-٩٩ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر ولاية الوليد بن عتبة المدينة والحجاز وعزل عمرو بن سعيد. وقد اقتصر ابن الجوزي على ذكر خطبة ابن الزبير في تذكرة الخواص ص: ٢٦٨.