الفصل الثاني

في ردود الفعل المباشرة

لفاجعة الطف

والكلام فيه في مقامين[1]:

المقام الأول

في رد الفعل من قبل الناس

إن الناظر في تاريخ الواقعة وما قارنها يرى أن الغشم والعنف والترهيب والترغيب كانت هي الدافع لتنفيذ هذه الجريمة العظمى، مع كثير من التململ والضيق والصراع النفسي والتفاعل العاطفي مع الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وأهل بيته (عليهم السلام) حتى من بعض القائمين بها، لوضوح رفعة مقام أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ولحصول كثير من الجرائم البشعة والممارسات الصارخة المثيرة للعاطفة حتى من قبل الأعداء.

حتى إذا انتهت الجريمة وتمّ للسلطة ما أرادت رجع الناس إلى واقعهم،

وعرفوا فداحة المصاب، وشدة الجريمة، وهول ما فعلوا.

فإن من المعلوم...

أولاً: أن السلطة تعاملت مع الإمام الحسين (صلوات الله عليه) على أنه

خارج عن الشرعية، وشاق للعصا، وملقح للفتنة، ومستحق للقتل والتنكيل.

بل تعاملت مع نهضته المباركة تعاملها مع الردة سلباً وسبياً وتشهيراً. وبمنتهى الوحشية، بمثل قطع الرؤوس، ورض الأجساد، والسب والشتم والشماتة، والتشفي، وغير ذلك.

وثانياً: أن السلطة كانت في أوج قوتها وشراستها في التنكيل بمن يخالفها، أو يخرج عن مسارها، أو يعترض عليها. ولذا ردّت في السنة الثالثة على أهل المدينة في واقعة الحرة أبشع ردّ، وانتهكت حرمتهم أشنع انتهاك، ولم تتورع في السنة الرابعة عن الرد على عبد الله بن الزبير بانتهاك حرمة الحرم، وبضرب مكة المكرمة والكعبة المعظمة بالمنجنيق.

وكان نصيب الكوفة - التي هي علوية الهوى - من العمال عبيد الله بن زياد الغليظ القاسي الجبار الشرس، الذي قام بنفسه بتلك الجريمة الكبرى بتبجح واستهتار، واستطاع أن يرغم الكوفيين على تنفيذها.

كما كان نصيب المدينة المنورة - التي هي موطن أهل البيت (صلوات الله عليهم) - عمرو بن سعيد الأشدق جبار بني أمية[2]، والشامت بقتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، كما سبق ويأتي[3].

وكان المفروض مع هذين الأمرين أن تكمّ الأفواه، وتكتم العواطف، إزاء الفاجعة، كما عشنا ذلك مع مآسي العراق الكثيرة وفجائعه الفادحة في العهد الطويل للطغيان والجبروت والدكتاتورية الغاشمة.

بل يفترض أن تقام مظاهر الفرح والزينة بالانتصار الكاسح والفتح العظيم للسلطة في هذين المصرين، كما أقيمت في الشام المعزولة عن عامة المسلمين ثقافياً، والتي لا تعرف عن أهل البيت (صلوات الله عليهم) إلا ما عرفها الأمويون.

إلا أنه يبدو أن هول الفاجعة - بأبعادها السابقة - وشدة وقعها في النفوس أفقدا الناس السيطرة على عواطفهم وكبح جماحها، بحيث اضطرت السلطة أن تقف مكتوفة اليد أمام ذلك.

 


[1] السيد محمد سعيد الحكيم، فاجعة الطف، الطبعة السابعة، 1442هـ-2021م، القسم الأول: ص111.

[2] فقد روي عن أبي هريرة أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية يسيل رعافه. قال: فحدثني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر رسول الله ﷺ حتى سال رعافه)). مسند أحمد ج ۲ ص: ٥٢٢ مسند أبي هريرة، واللفظ له مجمع الزوائد  ج: ٥ ص : ٢٤٠ كتاب الخلافة باب في أئمة الظلم والجور وأئمة الضلالة. تاريخ الإسلام: ج ٥ ص: ٢٠٤ في ترجمة عمرو بن سعيد بن العاص تاريخ دمشق ج: ٤٦ ص : ٣٦٠ في ترجمة عمرو بن سعيد بن العاص. البداية والنهاية ج: ٨ ص: ٣٤٢ أحداث سنة تسع وستين من الهجرة في ترجمة الأشدق. بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ص: ١٩٤ كتاب الإمارة: باب في ولاة السوء. وغيرها من المصادر.

[3]  شرح نهج البلاغة: ج ٤ ص: ٧٢. الكامل للمبرد ج : ١ ص : ٤٠١. النصائح الكافية ص : ٧٥. الأغاني ج : ٥ ص : ٧٥ ذكر عبد الله بن قيس الرقيات.