من الناس من يهتدي بعد ضلال، ويستقيم بعد انحراف، فيتدارك آثامه بالتوبة والإنابة، ملبياً داعي الإيمان، ونداء الضمير الحُر.
بيد أنّ الإنسان كثيراً ما تخدعه مباهج الحياة، وتسترقه بأهوائها ومغرياتها، فيقارف المعاصي من جديد، منجرفاً بتيارها العَرمِ، وهكذا يعيش صراعاً عنيفاً بين العقل والشهوات، ينتصر عليها تارة، وتنتصر عليه أخرى، وهكذا...
وهذا ما يعيق الكثيرين عن تجديد التوبة، ومواصلة الإنابة خشية النكول عنها، فيظلّون سادرين في المعاصي والآثام.
فعلى هؤلاء أن يعلموا أن الإنسان عرضة لإغواء الشيطان، وتسويلاته الآثمة، ولا ينجو منها إلا المعصومون من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وأنّ الأجدر بهم إذا ما استزلهم بخدعه ومغرياته، أن يجددوا عهد التوبة والإنابة بنيّة صادقة، وتصميم جازم، فإن زاغوا وانحرفوا فلا يُقنطهم ذلك عن تجديدها كذلك، متذكرين قول اللّه عز وجل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[1].
وهكذا شجّعت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) على تجديد التوبة، ومواصلة الإنابة، إنقاذاً لصرعى الآثام من الانغماس فيها، والانجراف بها، وتشويقاً لهم على استئناف حياة نزيهة مستقيمة.
فعن محمد بن مسلم قال: قال الإمام الباقر (عليه السلام): (يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما واللّه إنها ليست إلا لأهل الإيمان.
قلت: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار في الذنوب، وعاد في التوبة، قال: يا محمد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر اللّه تعالى منه ويتوب ثم لا يقبل اللّه توبته؟!
قلت: فإنه فعل ذلك مراراً، يذنب ثم يتوب ويستغفر.
فقال: كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة، عاد اللّه عليه بالمغفرة، وإنّ اللّه غفور رحيم، يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، فإيّاك أن تُقنّط المؤمنين من رحمة اللّه تعالى)[2].
وجاء في معنى الآية الثامنة من سورة التحريم عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام): ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً)؟ قال: هو الذنب الذي لا يعود فيه أبداً، قلت: وأيّنا لم يعد؟ فقال: يا أبا محمد، إن اللّه يحب من عباده المفتن التوّاب)[3].
والمراد بالمفتن التوّاب: هو الذي امتحنه الله بكثرة الوقوع في الذنب، ثم يتوب منها، فهو كثير العود إلى الذنوب، وكثير التوبة.