الموقف المشرف لمن في ركبه من عائلته وصحبه[1]
والملفت للنظر - مع كل ذلك - أنه (صلوات الله عليه) استطاع أن يختار لنهضته الشريفة من أهل بيته وأنصاره من لا يتراجع عنها بعد أن اقتنع بها، وكان بوسعهم التراجع في أي وقت أرادوا.
لكنهم آمنوا بقيادته، واستسلموا لما يقرره حتى النفس الأخير، مع قوة في البصيرة، ومزيد من السرور والشعور بالفوز والسعادة. وقد آمنوا بمشروعه كما آمن هو (عليه السلام).
بل قد ثبتوا معه (عليه السلام) ولم يتركوه حتى بعد أن أذن لهم بالانصراف، وجعلهم في حلّ من بيعته. وكان كلامهم في التعقيب على ذلك يؤكد على الإصرار على مواساته بأنفسهم والقتال دونه والتضحية في سبيله، وعلى الشعور بالفوز والسعادة بذلك. ولا يسعنا استقصاؤه لكثرته.
كما أنه يأتي في حديثنا هذا منهم بعض النكات الملفتة للنظر، والتي تحمل على المزيد من الإعجاب والاحترام لهم رفع الله تعالى شأنهم.
نعم ورد أن الضحاك بن عبد الله المشرفي قال للإمام الحسين (صلوات الله عليه): ((إني أقاتل عنك ما رأيت مقاتلاً، فإذا لم أرَ مقاتلاً فأنا في حلّ من الانصراف))، وأنه انصرف حين لم يجد مقاتلاً [2].
وهذا في الحقيقة ليس تراجعاً عن موقف مسبق، بل هو قصور في الموقف من أول الأمر، مع تنفيذه كاملاً.
وحتى عائلته الكريمة التي رأت من بعده الأهوال لم ينقل عن أي منها ما يدل على استنكاره لموقفه (عليه السلام) أو الشكوى منه في استمراره إلى النهاية المفجعة. بل يظهر من مواقف كثير منها الإيمان بمشروعه(عليه السلام)، وقوّة البصيرة بأن عاقبته النجاح والفلاح.
ويكفينا من ذلك قول العقيلة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام) في خطبتها في مجلس يزيد: ((فلئن اتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، وإن الله ليس بظلام للعبيد. فإلى الله المشتكى وعليه المعول. فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك. فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، ولا تغيب منك شنارها. فهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وشملك إلا بدد يوم ينادي المنادي: (ألا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والرحمة، ولآخرنا بالشهادة والمغفرة ...)[3].
وهذا أمر نادر لا يسهل حصوله لولا العناية الإلهية والتسديد الرباني.