تنبيهه (عليه السلام) لظلامته وتمسكه بموقفه[1]
وبعد أن انتهى (صلوات الله عليه) إلى حيث يريد حاول أن يلفت النظر لظلامته ليستثير العواطف، وأن يؤكد على تمسكه بموقفه وشرف هدفه إقامة للحجة.
فقد جمع (عليه السلام) ولده وإخوته وأهل بيته، ونظر إليهم وبكى، وقال: ((اللهم إنا عترة نبيك محمد صلواتك عليه قد أخرجنا وأزعجنا وطردنا عن حرم جدنا، وتعدت بنو أمية علينا. اللهم فخذ لنا بحقنا، وانصرنا على القوم الظالمين))[2].
ثم أقبل على أصحابه فقال: ((الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون)) [3].
ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله وقال: ((إنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون. وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، واستمرت حذاء، ولم تبق منه إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً. فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً))[4].
فإن ملاحظة هذه الأمور بموضوعية وإنصاف تشهد بتصميمه (صلوات الله عليه) على أن يصل إلى موضع مصرعه الذي وعد به، وعدم تشبثه بأسباب السلامة، فضلاً عن أن يسعى للانتصار العسكري. وأنه (عليه السلام) مصرّ على الإصحار بعدم شرعية السلطة ومباينته لها، وبعسفها وظلمها، واستعداده للتضحية في سبيل ذلك، من أجل شرف الهدف، وأداء لما كلف به.
[1] السيد محمد سعيد الحكيم، فاجعة الطف، الطبعة السابعة، 1442هـ-2021م، القسم الأول: ص39.
[2] مقتل الحسين للخوارزمي ج: ١ ص: ٢٣٦ - ٢٣٧ الفصل الحادي عشر في خروج الحسين من مكة إلى العراق، واللفظ له. الفتوح لابن أعثم ج: ٥ ص: ۹۳ ذكر كتاب الحسين (رضي الله عنه) إلى أهل الكوفة. بحار الأنوار ج: ٤٤ ص: ٣٨٣.
[3] مقتل الحسين للخوارزمي ج: ١ ص: ٢٣٦-٢٣٧ الفصل الحادي عشر في خروج الحسين من مكة إلى العراق، واللفظ له. تحف العقول ص: ٢٤٥. بحار الأنوار ج: ٤٤ ص: ٣٨٣.
[4] اللهوف في قتلى الطفوف ص: ٤٨ خروج الحسين من مكة إلى العراق، واللفظ له. مجمع الزوائد ج: ٩ ص: ۱۹۲ کتاب المناقب: باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السلام). المعجم الكبير ج: ٣ ص: ١١٤-١١٥ مسند الحسين بن علي: ذكر مولده وصفته. تاریخ دمشق ج: ١٤ ص: ۲۱۷-۲۱۸ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. سير أعلام النبلاء ج: ٣ ص: ۳۱۰ في ترجمة الحسين الشهيد. تاريخ الإسلام ج: ٥ ص: ۱۲ مقتل الحسين. تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٣٠٤ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة. وغيرها من المصادر. وقد اختلفت المصادر في الوقت الذي خطب (عليه السلام) به هذه الخطبة.