تشفي الأمويين بالفاجعة ثأراً لأسلافهم المشركين

تشفي الأمويين بالفاجعة ثأراً لأسلافهم المشركين[1]

الثالث: ما طفح على لسان الأمويين من التشفي بقتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه) بسبب قتل النبي (صلى الله عليه وآله) لأسلافهم في حروب الإسلام.

فعن أبي عبيدة في كتاب المثالب أنه لما ورد كتاب عبيد الله بن زياد على عمرو بن سعيد الأشدق يبشره بقتل الحسين(عليه السلام)، قرأه على الناس، وأوماً إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلاً: ((يوم بيوم بدر))[2].

وروي مثل ذلك عن يزيد حين أخذ ينكت ثغر الإمام الحسين (عليه السلام) بالقضيب في مجلسه [3]. وكذا عن ابن زياد حين أنكر عليه بعض من رآه يضرب بالقضيب ثنايا الإمام الحسين (صلوات الله عليه )[4].

ولما وردت رؤوس القتلى على يزيد - وكان في منظرة له على جيرون -

أنشد:

لما بدت تلك الحمول وأشرقت                          تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح                 فلقد قضيت من الغريم ديوني[5]

ولما أدخل عليه رأس الإمام الحسين (صلوات الله عليه) أخذ ينكت ثغره بالقضيب، وأنشد أبياتاً، منها:

ليت أشياخي ببدر شهدوا         جزع الخزرج من وقع الأسل

الأهلوا واستهلوا فرحا             ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم         وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا             خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم      من بني أحمد ما كان فعل[6]

وقد استنكرت عليه العقيلة زينب الكبرى (عليها السلام) ذلك، فخطبت في مجلسه خطبتها الشهيرة، وأشارت لإنشاده الأبيات المذكورة، وقد بدأتها بقولها: ((الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين. صدق الله تعالى إذ يقول: ((ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون ))... أتهتف بأشياخك ؟! زعمت تناديهم. فلتردن وشيكاً موردهم، ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت... فكد كيدك، واسع سعيك وناصب جهدك. فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا ...)) [7].

وفي إكمال تهذيب الكمال: وفي كتاب (ليس )[8]: لم يقتل النبي (صلى الله عليه وسلم) بيده صبراً إلا عقبة بن أبي معيط، لذلك أرسل عبيد الله بن زياد ابن أبيه برأس الحسين إلى المعيطيين بالرقة، وقال: هذا بدل رأس أبيكم... انتهى. ذكرت في كتابي [...] إجماع أهل السير على أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يباشر قتل أحد بيده إلا أُبي بن أبي خلف وعقبة أمر [...] بضرب عنقه))[9].

 


[1] السيد محمد سعيد الحكيم، فاجعة الطف، الطبعة السابعة، 1442هـ-2021م، القسم الأول: ص94.

[2] شرح نهج البلاغة ج : ٤ ص : ٧٢. الكامل للمبردج : ١ ص : ٤٠١. النصائح الكافية ص : ٧٥.

[3] مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج : ٣ ص : ٢٦٠ .

[4] الأمالي للمصدوق ص : ۲۲۹ المجلس الحادي والثلاثون روضة الواعظين ص : ۱۹۰. بحار الأنوار ج : ٤٥ ص : ١٥٤ .

[5] تذكرة الخواص ص : ٢٦١-٢٦٢ . ورواها الآلوسي هكذا: ((ولقد اقتضيت من الرسول ديوني)) روح المعاني ج : ٢٦ ص : ۷۲ ، ونقل مثله ابن الدمشقي عن تاريخ ابن القفطي كما في جواهر المطالب لابن الدمشقي ج ۲ ص : ۳۰۱. وذكره أيضاً في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب ج : ١ ص : ١٢٤ مطلب في حرمة اللعن المعين وما ورد فيه.

[6] اللهوف في قتلى الطفوف ص : ١٠٥ ، واللفظ له. الفتوح لا بن أعثم ج : ٥ ص : ١٥٠-١٥١ ذكر كتاب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية وبعثته إليه برأس الحسين بن علي (رضي الله عنهما)، بلاغات النساء ص : ۲۱ کلام زينب بنت علي(عليهما السلام). مقتل الحسين للخوارزمي ج : ٢ ص : ٦٦-٦٧. تذكرة الخواص ص: ٢٦١ ذكر حمل الرأس إلى يزيد. ينابيع المودة ج ٣ ص : ٣٢. النصائح الكافية ص : ٢٦٣. وذكر بعضه في البداية والنهاية ج : ٨ ص : ۲۰۹ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة الشأن، ومقاتل الطالبيين ص : ۸۰ مقتل الحسين بن علي(عليه السلام). وغيرها من المصادر.

[7] راجع ملحق رقم (٤).

[8] في كتاب كشف الظنون لحاجي خليفة ج :٢ ص: ١٤٥٤ : كتاب (ليس) لابن خالويه حسين بن أحمد النحوي المتوفى سنة ٣٧٠ هـ. بنى فيه كلامه من أوله إلى آخره على أنه ليس في كلام العرب كذا وليس كذا، ولهذا سمي به. وهو مختصر ابن النديم الفهرست ج ١ ص : ١٢٤...)).

[9] التراجم الساقطة من كتاب إكمال تهذيب الكمال المغلطاي (المطبوع) من ترجمة الحسن البصري إلى ترجمة الحكم بن سنان. وما ذكره من أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بضرب عنق عقبة ولم يباشر قتله بنفسه وإن ذكره غير واحد من أهل السير، فقد ذكروا أنه (صلى الله عليه وآله) أمر أمير المؤمنين علياً (بقتله) بقتله. إلا أن في صحيح محمد الحلبي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): ((قال: لم يقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) صبراً قط غير رجل واحد عقبة بن أبي معيط لعنه الله، وطعن أُبي بن أبي خلف فمات بعد ذلك)). تهذيب الأحكام ج: ٦ ص: ١٧٣ باب النوادر من كتاب الجهاد حديث: ۱۸. فإن ظاهره أنه(صلى الله عليه وآله) قتله بيده كأُبي بن أبي خلف، وإلا فقد أمر بقتل كثير صبراً، ومنهم بنو قريظة.

وعلى أي الوجهين فالتشفي وأخذ ثار عقبة برأس الإمام الحسين (عليه السلام) حاصل.