جريمة قتل أهل البيت (عليهم السلام) الذين معه[1]
الأول: قتل من كان مع الحسين (صلوات الله عليه) من أولاده وإخوته وبني عمومته من آل أبي طالب، الذين هم أقرب الناس للنبي (صلى الله عليه وآله) وأخصهم به، بحيث يكون وجودهم بقاء له ومذكراً به.
خصوصاً وأن فيهم من يشبه النبي(صلى الله عليه وآله). فقد ورد أنه لما برز علي بن الحسين الأكبر (عليهما السلام) قال الإمام الحسين (صلوات الله عليه): ((اللهم اشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقا برسولك محمد(صلى الله عليه وآله). كنا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه...))[2].
ثم رفع الله صوته وقرأ: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[3].
هذا مضافاً إلى ما تحظى به هذه الثلة الكريمة من مقام رفيع عند المسلمين، حيث الدين والخلق السامي والشرف والسؤدد.
وقد وصفتهم العقيلة زينب الكبرى بقولها في خطبتها في مجلس يزيد: ((بإراقتك دماء ذرية آل محمد(صلى الله عليه وآله)، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب))[4].
ووصفهم ابن عباس في كتابه إلى يزيد بقوله: ((وقد قتلت حسيناً وفتيان عبد المطلب مصابيح الدجى ونجوم الهدى وأعلام التقى))[5].
وفي حديث الريان بن شبيب عن الإمام الرضا (صلوات الله عليه) قال: ((وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيه)) [6].
وعن الحسن البصري أنه قال: ((قتل مع الحسين بن علي ستة عشر من أهل بيته ما كان لهم على وجه الأرض شبيه))[7].
وعن منذر أنه قال: ((كنّا إذا ذكرنا الحسين بن علي ومن قتل معه قال محمد ابن الحنفية: قد قتلوا سبعة عشر شاباً كلهم قد ارتكضوا في رحم فاطمة))[8].
وعن الربيع بن خيثم أنه قال: لقد قتلوا فتية لو رآهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأحبهم، أطعمهم بيده، وأجلسهم على فخذه))[9]. وقال أيضاً: ((لقد قتلوا صبية لو أدركهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأجلسهم في حجره، ولوضع فمه على أفهامهم))[10].
وقال لأشياخ من أهل الكوفة أتوه ليعرفوا رأيه في قتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه): ((أرأيتم لو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل الكوفة وفيها أحد من أهل بيته فيمن كان ينزل ؟!))[11].
هذا مضافاً إلى ما ورد عن بعضهم من النكات المضيئة الشاهدة بشرف نفوسهم ورفعة مقامهم وقوة بصائرهم.
فعن عقبة بن سمعان أنه قال: ((فلما ارتحلنا من قصر بني مقاتل، وسرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة، ثم انتبه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين. ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً. قال: فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين. يا أبتِ جعلت فداك ممّ حمدت الله واسترجعت؟ قال: بني إني خفقت برأسي خفقة، فعنّ لي فارس على فرس، فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم. فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا. قال له: يا أبتِ لا أراك الله سوءاً، ألسنا على الحق؟ قال: بلى والذي إليه مرجع العباد. قال: يا أبتِ إذا لا نبالي، نموت محقين. فقال له: جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده))[12].
وفي اليوم التاسع من المحرم نادى الشمر: ((بنو أختي عبد الله وجعفر والعباس وعثمان)). فأعرضوا عنه. فقال لهم الإمام الحسين (عليه السلام): ((أجيبوه وإن كان فاسقاً ...)). فقالوا له: ((ما شأنك؟)). قال: يا بني أختي أنتم آمنون. فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين، والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد))[13]. فقالوا له: «لعنك الله ولعن أمانك لئن كنت خالنا، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له ؟![14] أتأمرنا أن نترك سيدنا وأخانا وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء)) [15].
وهم بهذا العدد قد خلت بيوتهم من الرجال وأوحشت، ولم يبق فيها إلا نساء وأطفال يهيجون العواطف ويستثيرون الأسى والنقمة.
[1] السيد محمد سعيد الحكيم، فاجعة الطف، الطبعة السابعة، 1442هـ-2021م، القسم الأول: ص80.
[2] مقتل الحسين للخوارزمي ج : ٢ ص : ٣٠ ، واللفظ له. بحار الأنوار ج : ٤٥ ص : ٤٢-٤٣ . اللهوف في قتلى الطفوف ص : ٦٧. ومثله مع اختلاف يسير في الفتوح لابن أعثم ج : ٥ ص : ١٣٠ تسمية من قتل بين يدي الحسين من ولده واخوانه وبني عمه (رضي الله عنهم)، ومقاتل الطالبيين ص: ۷۷ مقتل الحسين بن علي (عليه السلام).
[3] سورة آل عمران الآية: ٣٣، ٣٤.
[4] راجع ملحق رقم (٤).
[5] مقتل الحسين للخوارزمي ج ۲ ص : ۷۸ ، واللفظ له. وقريب منه في مجمع الزوائد ج : ٧ ص : ٢٥١ كتاب الفتن باب فيما كان من أمر ابن الزبير ويزيد بن معاوية واستخلاف أبيه وغير ذلك، والمعجم الكبير ج : ١٠ ص : ٢٤٢ باب أحاديث عبد الله بن عباس ومن مناقب عبد الله بن عباس وأخباره، والكامل في التاريخ ج : ٤ ص : ۱۲۸ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة: ذكر بعض سيرة يزيد بن معاوية وأخباره، وتاريخ اليعقوبي ج : ٢ ص : ٢٤٨ مقتل الحسين بن علي، وأنساب الأشراف ج : ٥ ص : ٣٢٢ أمر عبد الله بن الزبير بعد مقتل الحسين، وغيرها من المصادر الكثيرة.
[6] الأمالي للمصدوق ص : ۱۹۲ المجلس السابع والعشرون، واللفظ له. عيون أخبار الرضا ج : ۲ ص : ٢٦٨ . إقبال الأعمال ج: ٣ ص ٢٩ . بحار الأنوار ج : ٤٤ ص : ٢٨٦. وغيرها من المصادر.
[7] مقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص : ٤٧ ، واللفظ له الاستيعاب ج : 1 ص : ٣٩٦ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. العقد الفريد ج : ٤ ص : ٣٥٠ فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: مقتل الحسين بن علي، تاريخ خليفة بن خياط ص: ۱۷۹ أحداث سنة إحدى وستين. ذخائر العقبى ص : ١٤٦ مقتل الحسين وذكر قاتله. نظم دور السمطين ص: ۲۱۸. وغيرها من المصادر.
[8] ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد ص: ۸۷ ح: ٣٠٥ ، واللفظ له، المعجم الكبير ج : ٣ مسند الحسين بن علي : ذكر مولده وصفته ص : ١٠٤ ح : ٢٨٠٥ ، ص : ١١٩ ح : ٢٨٥٥ ، مجمع الزوائد ج : ٩ ص: ۱۹۸ كتاب المناقب باب مناقب الحسين بن علي الوافي بالوفيات ج : ١٢ ص : ٢٦٥ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، وغيرها من المصادر.
[9] تذكرة الخواص ص: ٢٦٨ ذكر قول أم سلمة والحسن البصري والربيع بن خيثم وغيرهم، واللفظ له. مقتل الحسين للخوارزمي ج: ٢ ص: ٤٤.
[10] ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد ص: ٨٧ ح: ٣٠٤ ، واللفظ له. تفسير الثعلبي ج : ٨ ص: ۲۳۹ في تفسير قوله تعالى: (اللهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ...). من سورة الزمر.
[11] ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد ص: ۸۷ ح: ۳۰۳.
[12] تاريخ الطبري ج : ٤ ص : ٣٠٨ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، واللفظ له. الكامل في التاريخ ج : ٤ ص : ٥١ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر مقتل الحسين(رضي الله عنه). الإرشاد ج : ٢ ص: ۸۲. إعلام الورى بأعلام الهدى ج ١ ص : ٤٥٠. وغيرها من المصادر.
[13] هكذا ورد النص في اللهوف في قتلى الطفوف ص : ٥٤ ، وقريب منه في بقية المصادر الآتية في الهامش التالي.
[14] تاريخ الطبري ج : ٤ ص : ٣١٥ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، واللفظ له. الكامل في التاريخ ج : ٤ ص : ٥٦ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر مقتل الحسين(رضي الله عنه). تذكرة الخواص ص : ٢٤٩ الباب التاسع في ذكر الحسين (عليه السلام): ذكر وصول الحسين (عليه السلام) إلى العراق. الفتوح لا بن أعثم ج : ٥ ص : ١٠٤-١٠٥ ذكر اجتماع العسكر إلى حرب الحسين بن علي(رضي الله عنه). وغيرها من المصادر.
[15] مثير الأحزان ص: ۲۸ واللفظ له. اللهوف في قتلى الطفوف ص : ٥٤ .
وروي أن ابن زياد كتب لهم أماناً فلما رأوا الكتاب قالوا: ((لا حاجة لنا في أمانكم، أمان الله خير من أمان ابن سمية)) لاحظ تاريخ الطبري ج : ٤ ص : ٣١٤-٣١٥ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، الكامل في التاريخ ج : ٤ ص : ٥٦ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر مقتل الحسين(رضي الله عنه)، والبداية والنهاية ج : ٨ ص : ۱۹۰ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة الشأن، وغيرها من المصادر.