مشروعية البكاء عليه (عليه السلام)

إن مكانة الإمام الحسين (عليه السلام) لا ينكرها إلا معاند، فشأنه (عليه السلام) عند الله تعالى كبير وقد تجلى ذلك في عدة أمور:

1- من الروايات التي وردت عن النبي (صلى الله عليه وآله) في فضله وإمامته وحبه له.

2- من سيرته الشخصية وكراماته في حياته، وقد تقدم شطر منها.

3-  ما ورد من الروايات التي أناطت به (عليه السلام) دوراً كبيراً ينتظره الدين لتصحيته وحفظه من تلاعب بني أمية.

4- من الكرامات التي حصلت له بعد استشهاده (عليه السلام) من قبل الرأس الشريف وما حصل للكون بعد استشهاده وقد عبرت عن الغضب الإلهي، وقد انتقم الله لدم يحيى أن سلط على أولئك القوم «نبوخذ نصر» فقتل منهم سبعين ألفا، وأوحى الله تعالى إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله): (إنني قتلت في مقابل قتل يحيى سبعين ألفا، وسأقتل لقاء قتل ابن بنتك ضعف هذا العدد)[1].

وقد أجاب الإمام زين العابدين (عليه السلام) من أشكل عليه باستمرار حزنه على أبيه بما دل من القران على استمرار حزن يعقوب، كما أورده أبو نعيم الأصفهاني عن كثرة بكاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) فقال (عليه السلام): (لا تلوموني، فإنَّ يعقوب فَقَدَ سِبطاً مِن ولده، فبكى حَتَّى ابيضَّتْ عيناه، ولم يَعلَم أنه مات، وقد نظرتُ إلى أربعة عشر رجلاً من أهـل بيتي في غزاة واحدة، أفَتَرَون حزنهم يذهب مِن قَلبي؟)[2].

 

البكاء على الميت مستحب عند العامة:

هذا وقد ورد في مصادر العامة ما يدلُّ على أنَّ البكاء على الميت سُنََّة سَنَّها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد روى إسحاق بن راهويه، عن عائشة أنها قالت: مَرَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين انصرف على بني الأشهل، فإذا نساؤهم يَبْكِين على قتلاهم، وكان استمرَّ القتل فيهم يومئذ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لكِنَّ حَمزة لا بواكي له)، فأمر سعد بن معاذ نساء بني ساعدة أن يبكين عند باب المسجد على حمزة، فَجَعلت عائشة تَبكي مَعَهُنَّ.

فنام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاستيقظ عند المغرب، فَصلَّى المغرب، ثم نام، ونحن نبكي، فاستيقظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعشاء الآخرة، فصلى العشاء، ثم نام، ونحن نبكي، فاستيقظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن نبكي، فقال: (ألا أراهُنَّ يبكيْنَ حتى الآن، مُرُوهُنَّ فَلْيَرجِعْنَ)، ثم دعا (صلى الله عليه وآله) لَهُنَّ، ولأزواجِهِنَّ، ولأولادِهِنَّ[3].

ولعلك تلاحظ في هذه الرواية، أنها لا تدل على جواز البكاء على الميت وندبه فحسب، بل إنها تدل على مشروعية تحويل البكاء إلى عادة مستمرة، ولقرون طويلة.

البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) سنة سنها رسول الله(صلى الله عليه وآله):

فقد كان (صلى الله عليه وآله) أوَّل من أخبر بواقعة شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)، روى ابن حبان، عن أنس بن مالك قال: استأذَنَ مَلَك القطر رَبَّه أن يزور النبي (صلى الله عليه وآله)، فأذن له، فكان في يوم أم سلمة، فقال النبي(صلى الله عليه وآله): (اِحفظي علينا الباب، لا يَدخل علينا أحد)، فبينا هي على الباب، إذ جاء الحسين بن علي (عليهما السلام)، فطفر، فاقتحم، ففتح الباب، فدخل، فجعل يتوَثَّب على ظهر النبي (صلى الله عليه وآله)، وجعل النبي (صلى الله عليه وآله) يتلثمه ويقبله، فقال له المَلَك: أتحبه؟

قال (صلى الله عليه وآله): نعم.

قال: أمَا إنَّ أمَّتك ستقتله، إن شئت أريتُكَ المكان الذي يُقتل فيه ؟.

قال (صلى الله عليه وآله): نعم.

فقبض قبضة من المكان الذي يُقتل (عليه السلام) فيه، فأراه إياه، فجاءه بسهلة أو تراب أحمر، فأخذَتْهُ أمُّ سلمة، فجعلَتْهُ في ثوبها[4].

وأما بكاء النبي (صلى الله عليه وآله) عليه، فقد روى أحمد، عن نجي أنه سار مع علي (عليه السلام)، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي (عليه السلام): (اِصبرْ أبا عبدِ الله، اِصبرْ أبا عبدِ الله بشط الفرات).

قلت: وماذا ؟

قال (عليه السلام): (دخلتُ على النبي (صلى الله عليه وآله) ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت يا نبي الله أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل قبل، فَحدَّثَني أن الحسين يُقتَل بشط الفرات، هل لك إلى أنْ أُشِمَّك من تربته؟

قلت: نعم.

فمدَّ (صلى الله عليه وآله) يده، فقبض قبضة من تراب، فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فَاضَتَا)[5].

وروى الحاكم، عن أم الفضل بنت الحارث، أنها دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقالت: يا رسول الله، إني رأيت حلماً مُنكَراً الليلة.

قال (صلى الله عليه وآله): مَا هُوَ.

قالت: إنه شديد.

قال (صلى الله عليه وآله): ما هو.

قالت: رأيت كأَنَّ قطعة من جسدك قطعت، وَوُضِعت في حِجْري.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رَأيتِ خَيراً، تَلِد فاطمة إن شاء الله غُلاماً، فيكونُ في حِجرك.

فَوَلدت فاطمة (عليها السلام) الإمام الحُسين (عليه السلام)، فكان في حجري كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فدخلتُ يوماً إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فوضعتُهُ في حِجره، ثم حانَتْ مِنِّي التِفَاتَة، فإذا عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) تهريقان من الدموع.

فقلت: يا نبي الله، بأبي وأمي، ما لَكَ؟

قال (صلى الله عليه وآله): أتاني جِبريل عليه الصلاة والسلام، فأخبرَني أنَّ أُمَّتي ستقتُل ابني هذا.

فقلت: هذا!!.

فقال (صلى الله عليه وآله): نعم.

وأتاني (صلى الله عليه وآله) بتربة من تربته (عليه السلام) حمراء[6].

ونقول: هذه روايات صريحة في أنَّ البكاء على الإمام الحسين هي سُنَّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وليست بِدْعَة.

 

 

فضل البكاء على الحسين (عليه السلام):

والشيعة يتبعون في ذلك سُنَّة النبي (صلى الله عليه وآله) في البكاء على سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد رووا عن أئمتهم فضلاً كثيراً في ذلك: فعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: بكت الإنس والجن والطير والوحش على الحسين بن علي (عليهما السلام) حتى ذرفت دموعها)[7].

وعنه (عليه السلام): كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: (أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي (عليهما السلام) دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا)[8].

وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: (من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)[9].

وعنه (عليه السلام) أنه قال: (من أنشد في الحسين بيتا من الشعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة، ومن أنشد في الحسين بيتا فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنة، فلم يزل حتى قال: من أنشد في الحسين بيتا فبكى وأظنه قال: أو تباكى فله الجنة)[10].

وعنه (عليه السلام): (من ذُكِر الحسين (عليه السلام) عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله، ولم يرض له بدون الجنة)[11].

وعنه (عليه السلام): (إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء على الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنه فيه مأجور)[12].

وعنه (عليه السلام): (ان الحسين (عليه السلام) بكى لقتله السماء والأرض واحمرتا، ولم تبكيا على أحد قط إلا على يحيى بن زكريا (عليهما السلام) والحسين بن علي (عليهما السلام))[13].

وعنه (عليه السلام): (من ذُكِرنا عنده ففاضت عيناه حرم الله وجهه على النار)[14].

وقال الإمام الرضا (عليه السلام): (يا بن شبيب إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا قليلا كان أو كثيرا)[15].

وعنه (عليه السلام): (يا ابن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) فإنه ذبح كما يذبح الكبش)[16].

 


[1] المجالس الفاخرة لسيد شرف الدين الموسوي: هامش ص113.

[2] حلية الأولياء لابي نعيم الاصبهاني: ج3، ص162.

[3] مسند ابن راهويه: ج2، ص599.

[4] صحيح أبن حبان: ج6، ص203.

[5] مسند أحمد: ج2، ص78.

[6] المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج3، ص176.

[7] كامل الزيارات لابن قولويه: ص165.

[8] كامل الزيارات لابن قولويه: ص 201.

[9] وسائل الشيعة للحر العاملي: ج14، ص501.

[10] وسائل الشيعة للحر العاملي: ج14، ص596.

[11] كامل الزيارات للحر العاملي: ص208.

[12] وسائل الشيعة للحر العاملي: ج14، ص507.

[13] كامل الزيارات لابن قولويه: ص181.

[14] كامل الزيارات لابن قولويه: ص207.

[15] عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق: ج1، ص268.

[16] عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق: ج1، ص268.