ولما كانت فاطمة (عليها السلام) ذات الشرف والمجد الرفيع تعيش في كنف أبيها، فقد كانت محطا للأنظار منذ صغرها، فكلٌّ يحدث نفسه بالاقتران بها عند بلوغها مبلغ النساء، لينال شرف الانتساب إلى أشرف خلق الله، فهي أعظم امرأة في شرفها ودينها ومكانتها عند بارئها، حتى إذا استنارت في سماء الرسالة شمس جمالها، وتم في أفق الجلالة بدر كمالها امتدت إليها مطالع الأفكار، وتمنت النظر إلى حسنها أبصار الأخيار، وخطبها سادات المهاجرين والأنصار، ردَّهم المخصوصُ من الله بالرضا، وقال(صلى الله عليه وآله): (إني أنتظر بها القضاء)1].
مَن مِثلُ فاطمة الزهراء(عليها السلام) في نسبها وفَخارها وفضلها وحسبها، واللهُ فضَّلها حقاً وشرفها إذ كانت ابنة خير العجم والعرب، فعنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله(صلى الله عليه وآله): (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَتَزَوَّجُ فِيكُمْ وأُزَوِّجُكُمْ إِلَّا فَاطِمَةَ(عليها السلام) فَإِنَّ تَزْوِيجَهَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ)[2]، وروي عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال: (لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على وجه الأرض)[3]، وعن ابن عباس وأنس بن مالك قالا: (بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس إذ جاء علي، فقال: يا علي ما جاء بك؟ قال: جئت أسلم عليك، قال: هذا جبرئيل يخبرني أن الله زوّجك فاطمة وأشهدَ على تزويجها أربعين ألف ملك وأوحى الله إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدر والياقوت، فابتدر، إليه الحور العين يلتقطن في أطباق الدر والياقوت وهن يتهادينه بينهن إلى يوم القيامة، وكانوا يتهادون ويقولون هذه تحفة خير النساء)[4]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) في خبر: أنه دعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: (ابشر يا علي فإن الله قد كفاني ما كان من همتي تزويجك، أتاني جبرئيل ومعه من سنبل الجنة وقرنفلها فتناولتهما وأخذتهما فشممتهما فقلت: ما سبب هذا السنبل والقرنفل؟ قال: إن الله أمر سكان الجنة من الملائكة ومن فيها أن يزينوا الجنان كلها بمغارسها وأشجارها وثمارها وقصورها، وأمر ريحها فهبت بأنواع العطر والطيب، وأمر حور عينها بالقراءة فيها طه ويس وطواسين وحم وعسق، ثم نادى مناد من تحت العرش: ألا إن اليوم يوم وليمة علي ألا إني أشهدكم أني زوّجت فاطمة من علي رضى مني ببعضهما لبعض، ثم بعث الله سبحانه سحابة بيضاء فقطرت من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها، وقامت الملائكة فنثرن من سنبلها وقرنفلها، وهذا مما نثرت الملائكة... الخبر)[5].
وكانت فاطمة (عليها السلام) تختلف عن باقي النساء، فالمرأة غالبا تهنأ بدفء الحياة الزوجية واستقرارها، وقرب الزوج منها خصوصاً حين تكون قريبة عهد بالزواج، غير أن فاطمة (عليها السلام) التي أعدها النبي(صلى الله عليه وآله) لتكون قدوة للمؤمنات كانت سعادتها منذ بدء زواجها بخروج زوجها (عليه السلام) مع أبيها (صلى الله عليه وآله) للغزو والجهاد في سبيل الله، مع ما في هذا السفر من المشاق لطول المدة التي كان يستغرقها الغزو والسفر آنذاك، حيث كانت بعض الغزوات تمتد لأشهر أو أسابيع، بالإضافة لخطر الحروب في نفسها، إلا أنها (عليها السلام) كانت صابرة على غياب زوجها مع أبيها، راضية بذلك تحفظه في غيبته، وتربي ولده بما يرضي الله، فضربت المثل الأعلى لنساء المؤمنين في الصبر والمواساة والرضى بأمر الله وطاعته.