إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

(إِنَّ لِلْقُلُوبِ إقْبَالاً وَإِدْبَاراً فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاحْمِلُوهَا عَلَى النَّوَافِلِ، وَإذَا أَدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا بِهَا عَلَى الْفَرَائِضِ)[1]

من المعلوم أن الإنسان لا تتساوى حالاته وتوجهاته النفسانية، بل تؤثر عليه عوامل الزمان، والمكان، والأصدقاء، والبيئة، والفقر، والغنى، والصحة، والمرض، والأمن، والخوف، والانفتاح، وعدمه، والمداومة على العمل وعدمها، وكبر السن وصغره، وهذا بشكل عام يشمل بطبيعة الحال اتصاله بالله تعالى حال العبادة، فقد ينشدّ تماماً فيؤدي المفروض، ويتطلع نحو المزيد؛ لأنه ممن ذاق حلاوة مناجاة الله تعالى، وفاز بالاتصال الروحي معه، فتعلقت روحه بباريها، وتخففت من أدران المادة وتبعاتها.

وقد يتخفف من كل ذلك، فلا يجد من نفسه الإقبال على عمل المزيد، وإنما يحاول أن يوجد فرصة لإنجاز المفروض، وهذا شيء طبيعي لا غبار عليه، ولا يمكن إنكاره لأنه يتماشى وتركيبة الإنسان الفسلجية والاجتماعية؛ لأن العوامل الجسدية والنفسية والبيئية تترك تأثيرات قوية عليه.

فأمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الحكمة يدعونا لأن نكون أكثر واقعية ونتجرد من نمطية أداء طقوس وممارسة أعمال وقراءة سطور أو صفحات مما يشكّل دائرة روتين، بل لابُّد من أن نتعايش روحياً بكل ما يشدّنا بالخالق تعالى؛ لأنه أنعم علينا بكل مواهبنا ومراكز القوة فينا، فلا يناسب أن نأتي إلى رحابه ناعسين متكاسلين متثاقلين، بل المطلوب أن نأتي بكل انفتاح وشوق وشعور بأنه سبيل الراحة والتنفيس اللذين يطلبهما الإنسان بعد إثقاله بمتاعب الحياة المادية، وما تقضيه من تقيّدات وملاحظات سياقية.

ومن غير الصحيح أن ننكر اتصافنا بذلك وإلّا لفقدنا موقعنا المناسب في المحيط الإنساني الطبيعي، وكنا مؤدين لمظاهر لا تتسم بالمصداقية الصحيحة، وإنما مجرد ترديد ولقلقة لسان، أو قيام وقعود بلا وعي، بلا حسٍ صادق، بلا شعورٍ حقيقي، بلا تفاعل مع الممارسة لينعكس من ذلك إشعاع على مؤديها؛ ليسمو به إلى حيث الكمال أو التكامل المنشود.

ولابد أن ننتبه إلى أن الشيطان يترصدنا، فلا مناص من الحذر منه، وإلّا لحاربنا بسلاح إقبال النفس وإدبارها بل اللازم أن نرّبي أنفسنا ونجاهد أهواءها ونحاول السير إلى مدارج الرقي الأخلاقي ضمن درب العبادة لنضمن محلاً كريماً في منازل الآخرة يتناسب مع طموح الواحد منّا، وإلّا لكنّا ممن يطلب الآخرة بلا عمل. وقد ورد مضمون هذه الحكمة عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) وعن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، فعن النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) أنه قال: «إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فتنفلوا، وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة»[2].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام) إنه قال: «إن القلب يحيا ويموت، فإذا حيي فأدبه بالتطوع، وإذا مات فاقصره على الفرائض»[3].

 وورد عن الإمام الرضا(عليه السلام): «إن للقلوب إقبالا وإدبارا، ونشاطا وفتورا، فإذا أقبلت بصرت وفهمت، وإذا أدبرت كلت وملت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها»[4].

وجاء عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام): «إذا نشطت القلوب فأودعوها، وإذا نفرت فودعوها»[5].

ومنه يتضح أنه في مورد المستحبات لا ينبغي على المؤمن أن يجبر نفسه على إتيانها إن لم يكن للقلب إقبال عليها ورغبة فيها، وأما فعل الواجبات وترك المحرمات فلا سبيل إلى ردع النفس عنها وإن لم يوجد في القلب إقبال عليها[6].

مجلة بيوت المتقين العدد (82)

 


[1] نهج البلاغة: الحكمة 309.

[2] الكافي، الكليني: ج3، ص454.

[3] أعلام الدين في صفات المؤمنين، الديلمي: ج1، ص304.

[4] بحار الأنوار، المجلسي: ج78، ص354.

[5] أعلام الدين في صفات المؤمنين، الديلمي: ج1، ص313.

[6] انظر: كتاب أخلاق الإمام علي(عليه السلام)، السيد صادق الخرسان: ج1، ص102.