ضع فخرك واحطط كبرك

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

(ضَعْ فَخْرَكَ، وَاحْطُطْ كِبْرَكَ، وَاذْكُرْ قَبْرَكَ)[1].

الدعوة الى التفكر العميق بعاقبة الأمور، وعدم الاكتفاء بالحال الحاضر، لما للجمع بينهما من فوائد عديدة، تؤثر في صفاء النظرة المستقبلية، وتؤدي الى سداد الخطوة الآنية، فلا يرتجل الإنسان موقفا، كما لا ينطق بكلمة إلا بعد تقليب وجهات النظر، لئلا يندم بعدئذ، ويعسر عليه التخلص من تبعات ذلك. 

وقد أشار (عليه السلام) إلى أنّ سبب الارتجال المشار إليه، وهو أن يحسب نفسه أعلى من غيره وأفضل وغير ذلك مما يوهمه الشموخ فيفتخر به، ويتكبر على أقرانه في الخلق، ويترفع عليهم مع كثرة المشتركات وقلة الفوارق، فضلاً عن زوالها لا حقا، فلا يبقى سوى الندم، لذا كانت التوصية بتذكر القبر وما فيه وما بعده، ليخف غلواء الصدور، وليستذكر الإنسان مشتركاته مع أخيه الإنسان، فلا يفخر عليه، ولا يتكبر عنه، مع ما في ذلك من عواقب سلبية، تورث الأحقاد والاضغان، بل الثارات، لكون المفتخر عليه لا يرضى أن يكون الأقل، فيسعى الى إثبات وجوده ولو بالخطأ، وعندها فلا يسلم المتكبر على وجوده الدنيوي، كما لم يسلم من المساءلة أمام ربِّه، حيث ورد ذم المتكبر والنهي عنه، قال (عليه السلام) في خطبة له:

(واستعيذوا بالله من لواقح الكبر كما تستعيذونه من طوارق الدهر، فلو رخص الله في الكبر لأحد من عباده لرخص فيه لخاصة أنبيائه وأوليائه، ولكنه سبحانه كرّه إليهم التكابر ورضي لهم التواضع، فألصقوا بالأرض خدودهم، وعفروا في التراب وجوههم، وخفضوا اجنحتهم للمؤمنين، وكانوا أقواماً مستضعفين)[2].

 وقال: (الكِبْرُ مصيدة ابليس العظمى)[3].

وأيضاً قال: (الكِبْر يساور القلوب مساورة السموم القاتلة)[4].

ورُوي عن ابي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (ان في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر، شكا الى الله عز وجل شدة حرّه وسأله أن يأذن له أن يتنفس فتنفس فأحرق جهنم)[5].

وقال: (ما من رجل تكبر أو تجبر إلا لذلة وجدها نفسه)[6].

مما يعطينا أنّه صفة سيئة يتخذها البعض تعويضا عن معاناة معينة، وهذا ما يمثل تحليلا نفسياً لهذه الظاهرة من شأنه التنفير منها، وصولا الى تقليصها ليتخلص المجتمع من تأثيراتها المعقدة التي تسهل لظهور الطبقية بين افراد المجتمع الواحد، وهذا الامر مما ينبذه الناس بحسب طبائعهم الذاتية، بما يوصل الى كون الحالة السديدة هي ما دعا اليه (عليه السلام) من التواضع والتعامل ضمن مساحة المشتركات الإنسانية، التي تمتاز بالأصالة والديمومة أكثر من غيرها، مما يتحسر عندما يتحول الإنسان الى حالٍ آخر.

وإنّ العاقل ليختار الأدوم، لما يحصل عليه من معطيات وفيرة، تتيح له المحبة والمودة والتواصل من خلال شبكة العلاقات العامة بدون معكرات ترتد عليه بالآثار السيئة[7].

مجلة بيوت المتقين العدد (59)

 


[1] نهج البلاغة: الحكمة395.

[2] نهج البلاغة: ص33.

[3] شرح نهج البلاغة: ابن ابي الحديد، ج13، ص163.

[4] نهج البلاغة: ص33.

[5] شرح الكافي، المازندراني: ج9، ص309.

[6] شرح الكافي: المازندراني، ج9، ص331.

[7] أخلاق الإمام علي (عليه السلام): ج2، ص115.