علي (عليه السلام) مع الأنبياء (عليهم السلام) باطناً ومع النبي (صلى الله عليه وآله) ظاهراً

دخل مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقت الفجر شخص مهيب عظيم الخلقة له قامة كالنخلة وصوت جهوري وعيناه كالجمرتين، قال: فدخل أهلَ المسجد منه رعب عظيم، فبينا هو عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) يتكلم معه ويسأله حوائجه إذ دخل أمير المؤمنين (عليه السلام) ولما رآه ذلك الشخص دهش من سطوته وذهل عقله وجعل يزعر زعراً عجيباً، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): إثبت لا بأس عليك وقُصَّ عليَّ قصتك وما جرى بينك وبين هذا الشاب، فقال: يا رسول الله إني كنت من نَماردة الشياطين وفراعنتهم في عهد سليمان بن داوود، فخرجتُ ليلة من الليالي مع أصحابي ونحن عشرون نمرود وأنا رئيسهم، فصعدنا إلى السماء لاستراق السمع فلما دنونا منها نزل إلينا هذا الشاب في الهواء وبيده شهاب يتوقد، فحمل علينا فهربنا منه وتفرقنا، وأردت أنا أن أغوص في البحر، ولما قربت منه اعترضني هذا الشاب وقطع عليَّ الطريق وصاح بي صيحة، ثم رماني بالشهاب الذي كان بيده، فوقعت في قعر البحر، قال الراوي: فكشف عن ساقه وإذا هو كنهر أو خندق عظيم وأثر الجراحة ظاهر عليه، قال: فتبسم رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتى بدت نواجذه، ثم قال: إن الله عز وجل قد وكل علي بن أبي طالب لحفظ أهل الأرض وأهل السماء، فأقبل أمير المؤمنين(عليه السلام) وجلس بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله) وذلك الجني ينظر إليه نظر الخائف ويرتعد من هيبته، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): لا بأس عليك سل حاجتك، فقضى رسول الله(صلى الله عليه وآله)  حاجته ثم قام ومضى[1].

وفي مشارق الأنوار، للحافظ البرسي، قال: (إن جنياً كان عند النبي(صلى الله عليه وآله) جالساً، فأقبل أمير المؤمنين(عليه السلام)، فجعل الجني يتصاغر لديه تعظيماً له وخوفاً منه، فقال: يا رسول الله إني كنت أطير مع المردة إلى  السماء قبل خلق آدم بخمسمائة عام فرأيت هذا في السماء، فأخرجني وألقاني إلى الأرض، فهويت إلى السابعة منها، فرأيته هناك كما رأيته في السماء).

وفي لوامع الأنوار للحافظ البرسي، وهو غير مشارق الأنوار:

(أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان جالساً وعنده جني يسأله عن قضايا مشكلة، فأقبل أمير المؤمنين(عليه السلام) فتصاغر الجني حتى صار كالعصفور، ثم قال: أجرني يا رسول الله، فقال: ممن؟ قال من هذا الشاب المقبل، فقال النبي(صلى الله عليه وآله): وما ذاك؟ فقال الجني: أتيت سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان، فلما تناولتها ضربني هذا فقطع يدي، ثم أخرج يده وهي مقطوعة فقال له النبي(صلى الله عليه وآله): وهو كذلك).

وفيه أيضاً: (إن جنياً كان جالساً عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فأقبل أمير المؤمنين(عليه السلام) فاستغاث الجني وقال: أجرني يا رسول الله من هذا الشاب المقبل، قال(صلى الله عليه وآله): وما فعل بك؟ قال: تمردت على سليمان فأرسل إليّ من الجن جماعة فطلت عليهم، فجاءني هذا وهو فارس فأسرني وجرحني وهذا مكان الضربة إلى الآن لم يندمل).

وفي بعض المجاميع عن كتاب درر المطالب، وغرر المناقب مثل الخبرين الأخيرين، وروى الأخير خاصة السيد المحقق السيد نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية، وزاد في آخره (أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال له: ادن من علي حتى يطيب جراحتك وتؤمن به وتكون من شيعته، ففعل).

نقول: لا غرابة في هذه الأخبار بوجه، لتظافر الأخبار من الفريقين أن أنوار النبي والأئمة (عليه السلام) قد خلقت قبل خلق آدم بدهور طويلة، وهو السر فيما ورد من الرواية المشهورة والتي رواها السيد نعمة الله الجزائري في كتابه عن كتاب القدسيات لبعض محققي علماء الجمهور عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال لعلي(عليه السلام): (يا علي إن الله تعالى قال لي: يا محمد بعثت علياً مع الأنبياء باطناً ومعك ظاهراً).

 


[1] صحيفة الأبرار: ج3، ص124.