موقف جمهور أهل الكوفة

موقف جمهور أهل الكوفة[1]

فقد استقبل الكوفيون العائلة الكريمة - التي عوملت معاملة الكفار في السلب والأسر والتشهير - بالبكاء والصراخ والنوح والتوجع والتفجع والتأسف [2]، وقد شقت النساء جيوبهن على الإمام الحسين (صلوات الله عليه) والتدَمن [3] .

وعن حاجب ابن زياد أنه قال: ((ثم أمر بعلي بن الحسين (عليه السلام) فغل، وحمل مع النسوة والسبايا إلى السجن، وكنت معهم ، فما مررنا بزقاق إلا وجدناه ملاء رجال ونساء يضربون وجوههم ويبكون فحبسوا في سجن وطبق  عليهم))[4].

كما ورد أنه بعد أن خطبت أم كلثوم (عليها السلام) ضجّ الناس بالبكاء والنوح، ونشر النساء شعورهن، وخمشن وجوههن، و ضربن خدودهن، ودعون بالويل والثبور، وبكى الرجال ونتفوا لحاهم، فلم ير باك وباكية أكثر من ذلك اليوم[5].

ولولا حصول الجوّ المناسب والأرضية الصالحة لما تيسر لها ولا لغيرها من أفراد العائلة الكريمة الخطبة في الناس بعد أن أدخلوا إلى الكوفة أسرى يراد التشهير بهم وتوهينهم.

على أنه يبدو من بعض خطب أهل البيت (عليهم السلام) في الكوفة أن السلطة قد سبقت ركب الأسرى من العائلة الثاكلة ببعض مظاهر التبجح بالواقعة، في محاولة منها للتشهير بها، وإظهار السرور على الصعيد العام بما أوقعته بها .

فقد ورد في خطبة فاطمة الصغرى في الكوفة حال السبي قولها : ((تباً  لكم يا أهل الكوفة كم تراث [6] لرسول الله (صلى الله عليه وآله) قبلكم، وذحوله [7] لديكم. ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) جدي وبنيه وعترة النبي الطيبين الأخيار.

وافتخر بذلك مفتخر، فقال:

نحن قتلنا علياً وبني علي                   بسيوف هندية ورماح

وسبينا نساءهم سبي ترك                 ونطحناهم فأي نطاح

فقالت: بفيك أيها القائل الكثكث ولك الاثلب ...)) [8].

ولكن ذلك لم يقو على كبح جماح عواطف جمهور الناس نحو العائلة الكريمة وأهل البيت (صلوات الله عليهم)، وإظهار التعاطف معهم، والبكاء عليهم، والتفجع لهم.

وهكذا الحال لما أخرجوا من الكوفة إلى الشام. فقد روى ابن سعد بسنده عن الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) أنه قال: ((حُملنا من الكوفة إلى يزيد بن معاوية، فغصّت طرق الكوفة بالناس يبكون، فذهب عامة الليل ما يقدرون أن يجوزوا بنا لكثرة الناس. فقلت: هؤلاء الذين قتلونا. وهم الآن يبكون))[9].

 


[1] السيد محمد سعيد الحكيم، فاجعة الطف، الطبعة السابعة، 1442هـ-2021م، القسم الأول: ص117.

[2] بلاغات النساء ص: ٢٣ كلام أم كلثوم بنت علي (عليه السلام). الفتوح لا بن أعثم ج: ٥ ص: ١٣٩ تسمية من قتل بين يدي الحسين من ولده واخوانه وبني عمه (رضي الله عنهم). تاريخ اليعقوبي ج: ٢ ص: ٢٤٥ مقتل الحسين بن علي مقتل الحسين للخوارزمي ج: ٢ ص: ٤٠. مطالب السؤول ص: ٤٠٣. الأماني للمفيد ص: ۳۲۱. الأمالي للطوسي ص: ٩٢. اللهوف في قتلى الطفوف ص: ٨٦. بحار الأنوار ج: ٤٥ ص: ١٦٢. وغيرها من المصادر.

[3] بلاغات النساء ص: ٣٣، ٢٤ كلام أم كلثوم بنت علي (عليه السلام). جمهرة خطب العرب ج: ٢ ص: ١٣٤ خطبة  السيدة أم كلثوم بنت علي في أهل الكوفة بعد مقتل الحسين(عليه السلام). الأمالي للمفيد ص: ٣٢١. الأماني للطوسي ص: ۹۱. والتدام النساء: ضربهن وجوههن في المأتم.

[4] الأمالي للصدوق ص: ١٤٦ مجلس : ٣١ رقم الحديث : ٣. وعنه في بحار الأنوارج : ٤٥ ص: ١٥٤ .

[5] اللهوف في قتلى الطفوف ص: ۹۱-۹۲ . وذكر قريباً من ذلك الخوارزمي في مقتله ج: ٢ ص: ٤١.

[6] التراث: ما يخلفه الرجل لورثته. وفي مثير الأحزان ص: ٦٨ : ((أي ترات)) بالتاء المثناة. وترات جمع تِرة: وهي إصابة الشخص بظلم أو مكروه، وهو أنسب بالمقام.

[7] الذحول جمع ذحل وهو الثأر.

[8] الاحتجاج ج ۲ ص: ۲۸ ، واللفظ له. اللهوف في قتلى الطفوف ص: ٩٠. مثير الأحزان ص: ٦٨ . والكثكث هو التراب وفتات الحجارة، وكذا الأثلب والإثلب.

[9] ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) من طبقات ابن سعد ص: ۸۹ ج: ۳۱۳.