الجعالة هي: الالتزام بعوض معلوم - ولو في الجملة - على عمل كذلك.
وهي من الإيقاعات، ولا بُدَّ فيها من الإيجاب إمّا عامّاً مثل: (من ردّ دابّتي أو بنى جداري فله كذا)، أو خاصّاً مثل: (إن خطت ثوبي فلك كذا)، ولا يحتاج إلى القبول لأنّها ليست معاملة بين طرفين حتّى يحتاج إلى قبول، بخلاف العقود كالمضاربة والمزارعة والمساقاة ونحوها.
مسألة 545: ممّا تفترق به الجعالة عن الإجارة على العمل وجوب العمل على الأجير بعد العقد دون العامل في الجعالة، كما تشتغل ذمّة المستأجر للأجير قبل العمل بالأجرة ولا تشتغل ذمّة الجاعل للعامل ما لم يأت بالعمل.
مسألة 546: يعتبر في الجاعل: البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لسفه أو فلس، فلا تصحّ جعالة الصبيّ ولا المجنون ولا المكره ولا السفيه ولا المفلس فيما حجر عليه من أمواله.
وأمّا العامل فلا يعتبر فيه إلّا إمكان إتيانه بالعمل خارجاً ولو كان إتيانه به متوقّفاً على مقدّمة محرّمة، كما لو أوقع الجعالة على كنس المسجد فأتى به الجنب أو الحائض فإنّهما يستحقّان الجُعل، نعم لو خصّ الجُعل بكنس الجنب أو الحائض لم يصحّ فلو كنساه لم يستحقّا الجُعل، وفي استحقاقهما لأجرة المثل إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
ولا يعتبر في العامل نفوذ التصرّف فيجوز أن يكون صبيّاً مميّزاً ولو بغير إذن الوليّ، بل يجوز أن يكون صبيّاً غير مميّز أو يكون مجنوناً، فجميع هؤلاء يستحقّون الجُعل المقرّر بعملهم.
مسألة 547: إنّما تصحّ الجعالة على كلّ عمل محلّل مقصود عند العقلاء فلا تصحّ الجعالة على المحرّم كشرب الخمر، ولا على ما يكون خالياً من الفائدة كالدخول ليلاً في محلّ مظلم إذا لم يكن فيه غرض عقلائيّ.
مسألة 548: كما لا تصحّ الإجارة على ما علم من الشرع لزوم الإتيان به مجّاناً - واجباً كان أو مستحبّاً عينيّاً كان أو كفائيّاً، عباديّاً كان أو توصّليّاً كما تقدّم في المسألة (31) - كذلك لا تصحّ الجعالة عليه.
مسألة 549: يجوز أن يكون العمل مجهولاً في الجعالة بما لا يغتفر في الإجارة فإذا قال: (من ردّ دابّتي فله كذا) صحّ وإن لم يعيّن المسافة ولا شخص الدابّة مع شدّة اختلاف الدوابّ في الظفر بها من حيث السهولة والصعوبة، وكذا يجوز أن يوقع الجعالة على أحد الأمرين مخيّراً مع اتّحاد الجُعل كما إذا قال: (من ردّ سيّارتي أو دابّتي فله كذا) أو بالاختلاف كما إذا قال: (من ردّ إحداهما فإن كانت السيّارة فله عشرة وإن كانت الدابّة فله خمسة)، نعم لا يجوز جعل موردها مجهولاً صرفاً ومبهماً بحتاً لا يتمكّن العامل من تحصيله كما إذا قال: (من وجد وأوصلني ما ضاع منّي فله كذا) بل وكذا لو قال: (من ردّ حيواناً ضاع منّي فله كذا) ولم يعيّن أنّه من جنس الطيور أو الدوابّ أو غيرها.
هذا كلّه في العمل، وأمّا العوض فلا يعتبر أيضاً تعيين خصوصيّاته، بل يكفي أن يكون معلوماً لدى العامل بحدٍّ لا يكون الإقدام على العمل معه سفهيّاً فلو قال: (بع هذا المال بكذا والزائد لك) صحّ، وكذا لو قال: (من ردّ فرسي فله نصفها أو له كذا مقدار من الحنطة) ولم يعيّن نوعها، ولو كان العوض مجهولاً محضاً مثل: (من ردّ فرسي فله شـيء) بطلت الجعالة وللعامل أجرة المثل.
مسألة 550: إذا جعل الجُعل على عمل وقد عمله شخص قبل إيقاع الجعالة أو بعده بقصد التبرّع وعدم أخذ العوض يقع عمله ضائعاً وبلا جُعل وأجرة.
مسألة 551: إذا أخبره مخبر بأنّ فلاناً قال: (من ردّ دابّتي فله كذا) فردّها اعتماداً على إخباره مع أنّه لم يقله لم يستحقّ شيئاً لا على صاحب الدابّة ولا على المخبر الكاذب، نعم لو كان قوله حجّة شرعيّة كالبيّنة أو أوجب الاطمئنان لديه ضمن أجرة مثل عمله.
مسألة 552: لا يعتبر أن يكون الجُعل ممّن له العمل، فيجوز أن يجعل جُعلاً من ماله لمن خاط ثوب زيد أو باشر علاجه، فإذا قام به أحد استحقّ الجُعل على الجاعل دون زيد، هذا مع رضا زيد بالتصرّف في ماله أو نفسه - حتّى لا يكون العمل محرّماً - وإلّا لم تصحّ الجعالة.
مسألة 553: لو عيّن الجعالة لشخص وأتى بالعمل غيره لم يستحقّ الجُعل ذلك الشخص لعدم العمل ولا ذلك الغير لأنّه ما أمر بإتيان العمل ولا جعل لعمله جُعل فهو كالمتبرّع، نعم لو جعل الجُعل على العمل لا بقيد المباشرة بحيث لو حصل ذلك الشخص العمل بالإجارة أو الاستنابة أو الجعالة شملته الجعالة وكان عمل ذلك الغير تبرّعاً عن المجعول له بطلب منه استحقّ المجعول له بسبب عمل ذلك العامل الجُعل المقرّر .
مسألة 554: لو قال: (من دلّني على مالي فله كذا) فدلّه من كان ماله في يده لم يستحقّ شيئاً لأنّه واجب عليه شرعاً، وأمّا لو قال: (من ردّ مالي فله كذا) فإن كان ممّا لا يجب ردّه على من في يده - بل تجب عليه التخلية بينه وبين المال - فقام بردّه استحقّ الجُعل المقرّر وإلّا لم يستحقّه.
مسألة 555: إنّما يستحقّ العامل الجُعل بالتسليم فيما إذا كان المجعول عليه التسليم، وأمّا إذا كان المجعول عليه غيره كما إذا قال: (من خاط هذا الثوب فله درهم) استحقّ الخيّاط الدرهم بمجرّد الخياطة، وإذا قال: (من أوصل دابّتي إلى البلد كان له درهم) استحقّ العامل الدرهم بمجرّد الإيصال إلى البلد وإن لم يسلّمها إلى أحد، ولو كان الجُعل على مجرّد الدلالة عليها وإعلام محلّها استحقّ بذلك الجُعل وإن لم يكن منه إيصال أصلاً.
مسألة 556: لو جعل جُعْلاً لشخص على عمل كبِناء حائط أو خياطة ثوب فشاركه غيره في ذلك العمل يسقط من جعله المعيّن ما يكون بإزاء عمل ذلك الغير، فإن كانت المشاركة بالنصف كان له نصف الجُعْل وإلّا فبالنسبة، وأمّا الآخر فلا يستحقّ شيئاً لكونه متبرّعاً، نعم لو لم يشترط على العامل المباشرة بل أريد منه العمل مطلقاً ولو بمباشرة غيره وكان اشتراك الغير معه بطلب منه بعنوان التبرّع عنه ومساعدته استحقّ المجعول له تمام الجُعْل.
مسألة 557: إذا جعل جُعْلين بأن قال: (من خاط هذا الثوب فله درهم) ثُمَّ قال: (من خاط هذا الثوب فله دينار ) كان العمل على الثاني فإذا خاطه الخيّاط لزم الجاعل الدينار لا الدرهم.
ولو انعكس الفرض لزم الجاعل الدرهم لا الدينار، وإذا لم تكن قرينة على العدول من الأوّل إلى الثاني لزمه الجُعلان معاً.
مسألة 558: إذا جعل جُعْلاً لفعل فصدر جميعه من جماعة - من كلّ واحد منهم بعضه - كان للجميع جُعْل واحد، لكلّ واحد منهم بعضه بمقدار عمله، ولو صدر الفعل بتمامه من كلّ واحد منهم كان لكلّ واحد منهم جُعْل تامّ.
مسألة 559: إذا جعل جُعْلاً لمن ردّه من مسافة معيّنة فردّه من بعضها كان له من الجُعْل بنسبة عمله مع قصد الجاعل التوزيع.
مسألة 560: يجوز للجاعل الرجوع عن الجعالة قبل الشروع في العمل، وأمّا بعد الشروع فيه فيشكل ذلك إلّا مع التوافق مع العامل.
مسألة 561: الجعالة لا تقتضي وجوب إتمام العمل على العامل إذا شرع فيه، نعم قد تقتضيه لجهةٍ أْخرى كما إذا أوجب تركه الإضرار بالجاعل أو من يكون له العمل، كأن يقول: (كلّ من عالج عيني فله كذا) فشرع الطبيب بإجراء عمليّة في عينه - بحيث لو لم يتمّها لتعيّبت عينه - فيجب عليه الإتمام.
مسألة 562: لا يستحقّ العامل شيئاً من العوض إذا لم يتمّ العمل الذي جعل بإزائه، فإذا جعل العوض على ردّ الدابّة الشاردة إليه مثلاً فجاء بها إلى البلد ولم يوصلها إليه لم يستحقّ شيئاً، وكذا لو جعل العوض على مثل خياطة الثوب فخاط بعضه ولم يكمله، نعم لو جعله موزّعاً على أجزاء العمل من دون ترابط بينها في الجعل استحقّ العامل منه بنسبة ما أتى به من العمل.
مسألة 563: إذا تنازع العامل والمالك في الجُعل وعدمه أو في تعيين المجعول عليه أو القدر المجعول عليه أو في سعي العامل كان القول قول المالك بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر .
مسألة 564: إذا تنازع العامل والجاعل في تعيين الجُعْل فمع التنازع في قدره يكون القول قول مدّعي الأقلّ بيمينه بشرط عدم كونه مخالفاً للظاهر، ومع التنازع في جنسه يكون القول قول الجاعل بيمينه - بالشرط المذكور - في نفي دعوى العامل، وتجب عليه التخلية بين ما يدّعيه للعامل وبينه.
مسألة 565: عقد التأمين للنفس أو المال - سيكورِتِه - من العقود المستحدثة الصحيحة، وقد ذكرنا أحكامه في رسالة (مستحدثات المسائل) وبالإضافة إلى ذلك يمكن تخريجه على بعض العقود الأُخرى فتترتّب عليه أحكام ذلك البعض، كأن يكون بعنوان الهبة المشروطة فيدفع المؤمَّنُ له مقداراً من المال هبة ويشترط على المتَّهِب أنّه على تقدير حدوث حادثة نصّ عليها في الاتّفاقيّة أن يقوم بتدارك الخسارة الناجمة له، أو يكون بعنوان المعاوضة إذا كان المتعهّد بالتأمين يقوم للمؤمَّنِ له بعمل محترم له ماليّة وقيمة عند العقلاء من وصف نظام للأكل أو الشرب أو غيرهما أو تعيين حارس على المال أو غير ذلك من الأعمال المحترمة، فيكون نوعاً من المعاوضة، وأخذ المال من الطرفين حلال.