موقف جمهور أهل المدينة المنورة[1]
أما في المدينة المنورة فإنه لما وصل الخبر بقتل الإمام الحسين (عليه السلام) لعمرو بن سعيد بن العاص الأشدق أمر المنادي أن يعلن بقتله في أزقة المدينة، فلم يسمع ذلك اليوم واعية مثل واعية بني هاشم، واتصلت الصيحة بدار الأشدق، فضحك شامتاً، وأنشد:
عجت نساء بني زياد عجة كعجيج نسوتنا غداة الأرنب [2].
قال ابن طاووس: ((فعظمت واعية بني هاشم، وأقاموا سنن المصائب والمآتم))[3].
وقال اليعقوبي: ((وكان أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول الله كان دفع إليها قارورة فيها تربة وقال لها : إن جبرئيل أعلمني أن أمتي تقتل الحسين. قالت: وأعطاني هذه التربة، وقال لي : إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أن الحسين قد قتل ... فلما رأتها قد صارت دماً صاحت: واحسيناه وا ابن رسول الله، وتصارخت النساء من كل ناحية حتى ارتفعت المدينة بالرجة التي ما سمع بمثلها قط))[4].
وخرجت بنت عقيل في جماعة من نساء قومها حتى انتهت إلى قبر النبي(صلى الله عليه وآله)، فلاذت به و شهقت عنده، ثم التفتت، إلى المهاجرين والأنصار وأنشدت:
ماذا تقولون إن قال النبي لكم
يوم الحساب وصدق القول مسموع
خذلتموا عترتي أو كنتم غيباً
والحق عند ولي الأمر مجموع
أسلمتموهم بأيدي الظالمين فما
منكم له اليوم عند الله مشفوع
ما كان عند غداة الطف إذ حضروا
تلك المنايا ولا عنهن مدفوع
فأبكت من حضر. ولم ير باك وباكية أكثر من ذلك اليوم[5].
ولعله لذا أمر عمرو بن سعيد بن العاص بعد قتل الإمام الحسين (عليه السلام) صاحب شرطته عمرو بن الزبير أن يهدم دور بني هاشم ففعل، وبلغ منهم كل مبلغ. وهدم دار ابن مطيع، وضرب الناس ضرباً شديداً، فهربوا منه إلى ابن الزبير[6].
حيث لا يبعد أن يكون ذلك منه رداً على الناس وعقوبة لهم، لأنهم تحدّوا بعواطفهم موقف السلطة، وإظهاراً لصرامتها في ذلك، ورداً لهيبتها واعتبارها .
[1] السيد محمد سعيد الحكيم، فاجعة الطف، الطبعة السابعة، 1442هـ-2021م، القسم الأول: ص120.
[2] تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٣٥٦-٣٥٧ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة. الكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ٨٩ في أحداث سنة إحدى وستين: ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه). الإرشاد ج: ۲ ص: ۱۲۳. مثير الأحزان ص: ٧٤. وغيرها من المصادر.
[3] اللهوف في قتلى الطفوف ص: ٩٩.
[4] تاريخ اليعقوبي ج: ٢ ص: ٢٤٦ مقتل الحسين بن علي.
وقد استفاضت أحاديث الشيعة والجمهور المتضمنة دفع النبي (صلى الله عليه وآله) لأم سلمة (رضي الله عنها) تربة، وإعلامها بأن الإمام الحسين (صلوات الله عليه) إذا قتل تصير دماً، وأنها علمت بقتله (عليه السلام) حينما رأت أن تلك التربة صارت دماً. قال ابن الأثير : فأعلمت الناس بقتله أيضاً. الكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ٩٣ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر أسماء من قتل معه. وراجع حديث التربة المذكور في مجمع الزوائد ج: ٩ ص: ۱۸۹ کتاب المناقب: باب مناقب الحسين بن علي(عليهما السلام)، والمعجم الكبير ج: ۳ ص: ۱۰۸ مسند الحسين بن علي: ذكر مولده وصفته، و تاريخ دمشق ج: ١٤ ص: ١٩٣ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، وتهذيب الكمال ج: ٦ ص: ٤٠٩ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، وتهذيب التهذيب ج:۲ ص: ٣٠١ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، والوافي بالوفيات ج: ۱۲ ص: ٢٦٣ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، وإمتاع الأسماع ج: ١٢ ص: ۲۳۸ ، والفتوح لابن أعثم ج: ٤ ص: ۳۲۷ ابتداء أخبار مقتل مسلم بن عقيل والحسين بن علي وولده وشيعته من ورائه وأهل السنة وما ذكروا في ذلك من الاختلاف، وغيرها من المصادر الكثيرة.
[5] الأماني للمفيد ص: ۳۱۹. الأمالي للطوسي ص: ۹۰. مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ص:٢٦٢.
وعن أبي الكنود: ((قال: ولما أتي أهل المدينة مقتل الحسين خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها، وهي حاسرة تلوي بثوبها وتقول:
ماذا تقولون إن قال النبي لكم ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم))
تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٣٥٧ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، واللفظ له. الكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ٨٨ - ٨٩ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر مقتل الحسين(رضي الله عنه). البداية والنهاية ج: ٨ ص: ٢١٥ أحداث مسنة إحدى وستين من الهجرة: صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة الشأن. المعجم الكبير ج: ۳ ص: ۱۱۸ مسند الحسين بن علي: ذكر مولده وصفته. مجمع الزوائد ج: ۹ ص: ۱۹۹ - ۲۰۰ کتاب المناقب: باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السلام). تاريخ دمشق ج: ٦٩ ص: ۱۷۸ في ترجمة زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب، وغيرها من المصادر.
[6] الأغاني ج: ٥ ص: ٧٥ ذكر عبيد الله بن قيس الرقيات. وقد تعرض لبعض ذلك الزركلي في الأعلام ج: ٧ ص: ٢٤٨ في ترجمة مصعب بن الزبير.