عظمة شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)

ومن جميع ما تقدم تتجلى عظمة شخصه الكريم بما يحمله من تصميم على التضحية من أجل أداء وظيفته التي حمله الله تعالى إياها، حيث بذل كل ما يستطيع، وجهد في إقامة ذلك المجتمع بسلبياته وتعقداته في الفترة الزمنية القصيرة، وبحكمة بالغة، من أجل أن يوصل صوت الإسلام للشعوب الكثيرة، لتدخل فيه، ثم تتحقق الأرضية الصالحة للتعريف بالإسلام بحقيقته من دون تحريف وتشويه. وإن كان المجتمع الإسلامي الذي قام بنشره لم يخل منهما.

وكان (صلى الله عليه وآله) موطناً نفسه على التضحية بأعز الناس عليه وخاصة أهله، وتحميلهم المصائب والمصاعب من أجل تصحيح مسيرة ذلك المجتمع في المراحل اللاحقة، والاستفادة منه على الأمد البعيد، في قيام أمة تدعو إلى الحق وإلى الطريق المستقيم، لتكون مناراً لطالب الحقيقة، فيهتدي بهديها ويستضيء بنورها، وتقوم الحجة لله تعالى بها على الناس (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيَّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)[1].

وقد استفاض عنه (صلى الله عليه وآله) توقع تلك المآسي والإخبار عنها بألم شديد وحسرة بالغة، من دون أن يمنعه ذلك عن مضيه في أداء وظيفته في التبليغ والعمل الدؤوب في تقوية ذلك المجتمع مع سلبياته المتقدمة، وما يتوقع أن يقوم به نتيجة ذلك[2].

كما تتجلى بذلك عظمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) في استجابتهم له (صلى الله عليه وآله) وقناعتهم بمشروعه، وتسليمهم لله عز وجل وتقبلهم لتلك المصائب الفادحة وتضحيتهم فيها من دون تبرم ولا جزع، فناءً في ذات الله تعالى، وتسليماً لأمره، ورضاً بقضائه.

فهو (صلى الله عليه وآله) وهم (عليهم السلام) في ذلك كإبراهيم خليل الله الله، ، وابنه إسماعيل الذبيح (عليهما السلام) في محنتهما. بل زادوا عليها بأنهم مضوا في تسليمهم حتى النهاية المفجعة، ولم يكتف الله عز وجل منهم بالرضا والتسليم من دون تنفيذ.

فجزى الله تعالى نبينا العظيم (صلى الله عليه وآله) خير ما جزى نبياً عن أمته، وجزى أهل بيته (عليهم السلام) خير ما جزى هداة الأمم عن أتباعهم. وصلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، ورزقنا شفاعتهم وحشرنا في زمرتهم. إنه أرحم الراحمين. وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 


[1] سورة الأنفال الآية: ٤٢.

[2] يحسن مراجعة رواية زائدة في الملحق رقم (٦).