المشروع بتمام مراحله للنبي (صلى الله عليه وآله)

على أنه لا ينبغي لنا أن نغفل أن الأئمة (صلوات الله عليهم) لم يكملوا مراحل مشروع النبي (صلى الله عليه وآله) مستقلين عنه، كما أكمل هو (صلى الله عليه وآله) مشروع من سبقه من الأنبياء (عليهم السلام) في هداية البشر مستقلاً عنهم، بل مهيمناً عليهم ناسخاً لشرائعهم آخذاً عن الله عز وجل مباشرة، من دون واسطة بينه وبين الله تعالى.

أما الأئمة (عليهم السلام) فقد أخذوا عن النبي(صلى الله عليه وآله) ونفذوا ما عهد(صلى الله عليه وآله) إليهم واستضاؤوا بنوره. فهم أو صياؤه وورثة علمه، تابعون له تبعية الفصيل أثر أمه، كما قال أولهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عن نفسه[1]. وقال (عليه السلام): ((أنا من أحمد كالضوء من الضوء))[2]. وقال(عليه السلام): ((إنما أنا عبد من عبيد محمد(صلى الله عليه وآله)))[3]. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((أنا مدينة العلم وعلي بابها)) أو: (( أنا دار العلم وعلي بابها[4]. وقال(عليه السلام): ((علمني رسول الله ألف باب كل باب يفتح لي ألف باب))[5]... إلى غير ذلك مما تواترت به النصوص إجمالاً عنه (صلى الله عليه وآله) وعنهم (عليهم السلام). وقد تقدم بعضها في مقدمة كتابنا هذا عند الكلام في أن التخطيط لفاجعة الطف إلهي لا بشري.

ويشير لذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ)[6]. وما ورد عن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) في السلام على النبي (صلى الله عليه وآله). فعن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنه قال: ((فإذا استقبلت قبر الحسين (عليه السلام) فقل: السلام على رسول الله أمين الله على رسله وعزائم أمره، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كله. والسلام عليه ورحمة الله وبركاته))[7].

وبذلك يظهر أن المشروع بتمام مراحله له (صلى الله عليه وآله) نفذ بعض مراحله مباشرة بنفسه في الفتر القصيرة التي سبق التعرض لها. ونفذ باقي مراحله الأئمة من أهل بيته (عليهم السلام) بتوجيه منه (صلى الله عليه وآله)، وفضل وشرف نالوه من الله عز وجل بواسطته (صلى الله عليه وآله).

غاية الأمر أن ذلك يكشف عن أنهم (عليهم السلام) ينفردون بقابليات فذة ومميزات فريدة خصهم الله عز وجل بها جعلتهم أهلاً لاستيعاب ما عهده (صلى الله عليه وآله) لهم، وحمل هذه المسؤولية الكبرى والأمانة الثقيلة، وتنفيذها على أرض الواقع على أفضل وجه، مهما كلفهم ذلك من مصاعب ومصائب.

والحديث في ذلك طويل نكتفي فيه بهذه الإشارة العابرة، ولا يسعنا الإفاضة فيه واستيعابه في هذه العجالة.

 


[1] نهج البلاغة ج: ٢ ص: ١٥٧.

[2] علل الشرائع ص: ١٧٤ باب: ۱۳۹ حدیث: ۱.

[3] الكافي ج: ۱ ص: ۹۰ باب الكون والمكان حديث: ٥. التوحيد ص: ١٧٤.

[4] المستدرك على الصحيحين ج: ٣ ص: ١٣٦ كتاب معرفة الصحابة. ومن مناقب علي بن أبي طالب مما يخرجاه. ذكر إسلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). المعجم الكبير ج: ٥ ص: ٢٢١ فيما رواه زيد بن أوفى. فضائل الصحابة لابن حنبل ج: ٢ ص: ٦٣٨، ٦٦٦. وغيرها من المصادر الكثيرة.

[5] کنز العمال ج: ١٣ ص: ١١٤ حديث: ٣٦٣٧٢، واللفظ له. تاريخ دمشق ج: ٤٢ ص: ٣٨٥ في ترجمة علي بن أبي طالب. ميزان الاعتدال ج: ٢ ص: ٤٠١ في ترجمة حيي بن عبد الله، وج: ٤ ص: ١٧٤ في ترجمة عبد الله بن لهيعة. وغيرها من المصادر الكثيرة.

[6] سورة المائدة الآية: ٤٨.

[7] كامل الزيارات ص: ٣٦٨ باب: ۷۹ حديث: ٣. وقد تكررت هذه المضامين كثيراً في الزيارات الواردة عن أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم).