تركيز نبوته (صلى الله عليه وآله) واحترام سنته

ثالثها: تركيز نبوته (صلى الله عليه وآله) واحترام شخصه الكريم وقدسيته في نفوس المسلمين عامة من دون طعن فيه، ولا توهين موجه مباشرة إليه.

حتى إنه ورد في صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): ((قال: إن الله عز وجل أعفى نبيكم أن يلقى من أمته ما لقيت الأنبياء من أمها، وجعل ذلك علينا)) [1].

وقد استتبع ذلك احترام سنته وسيرته. حتى انتهى الأمر بمفروغية المسلمين عن مرجعيتها في التشريع، وباءت محاولات التشكيك بعصمته في التبليغ وفي فعله بالفشل.

ولو أنه (صلى الله عليه وآله) صار في مقام فرض ما بلغ به وتطبيقه على أرض الواقع، لأصروا على التشكيك بتجرده في قوله وعمله عن العاطفة والخطأ، وتمحضه في الوحي الإنهي، حفاظاً على مصالحهم. بل أنكروا ذلك.

وبذلك ينشق المسلمون على أنفسهم في هذا الأمر الخطير، ويتعذر الاستدلال بسنته (صلى الله عليه وآله) في مواقع الخلاف بين الفرق المختلفة.

بل قد ظهر من السلطة الإقرار بأهمية السنة فيما يتناسب مع أهدافها.

وبهذا صار احترامها مفروغاً عنه عند جميع المسلمين على اختلاف فرقهم الظاهرة المعروفة.

حتى انتهى الأمر أخيراً إلى التراجع عن حق السلطة في الخروج عن سنته (صلى الله عليه وآله) تسامحاً أو اجتهاداً تبريرياً، على ما تقدم توضيحه في كتابنا هذا.

غاية الأمر أن السلطة في صدر الإسلام قد حجّرت على السنة، ولم تسمح بتدوينها ولا روايتها إلا في حدود ما لا ينافي مصالحها وأهدافها.

لكن ذلك لم يمنع من تناقل كثير منها سراً، أو في الفترات التي ضعفت فيها سيطرة السلطة على ذلك، لتسامحها أو لضعفها.

وقد ظهر نتيجة ذلك الكثير مما يكفي في إقامة الحجة على مذهب الحق وتعاليمه مهما طال الزمن. وذلك مكسب عظيم للدين القويم والإسلام الحق.

 


[1] الكافي ج: ٨ ص: ٢٥٢ حديث: ٣٥٢. بحار الأنوار ج: ۲۷ ص: ٢٠٥ باب ما يجب من حفظ حرمة النبي(صلى الله عليه وآله).