ثانيها: من المعلوم أن القرآن المجيد - الذي هو أكبر الثقلين اللذين خلفهما النبي (صلى الله عليه وآله) لأمته لعصمتها من الضلال - قد نزل نجوماً متفرقة، وفي مناسبات مختلفة غير منضبطة. وهو بذلك معرض للضياع والنسيان والتحريف والتشويه، كما حصل في الكتب السماوية الأخرى، وإن كانت هي أيسر من القرآن في الحفظ، لأنها نزلت - فيما يظهر - دفعة واحدة في بيئة هي أقرب للحضارة والتدوين من بيئة نزول القرآن المجيد.
إلا أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد تدارك ذلك. حيث جدّ واجتهد في نشره بين جمهور المسلمين. فكلما أسلمت مدينة أو قبيلة أو جماعة معتد بها أرسل إليهم من يقرؤهم القرآن، ويحملهم على حفظه. وإذا أسلم شخص أو أشخاص قليلون أمر بتعليمهم القرآن.
وقد كان في عهده من الصحابة من يحفظ القرآن ويقرئ عامة المسلمين به، وبقي ذلك في الأجيال المتعاقبة من بعده، حتى صار حمل القرآن وحفظه اختصاصاً وفرعاً من فروع الثقافة الإسلامية التي يعتز صاحبها بها.
كما حثّ (صلى الله عليه وآله) بصورة مكثفة على الإكثار من قراءة القرآن وحفظه، مع بیان ثواب ذلك، وبيان فضائل بعض السور وآثارها الدنيوية والأخروية وكان الأولى بإمامة الجماعة في الصلاة أقرؤهم... إلى غير ذلك من أساليب الحث والتشجيع حتى انتشرت قراءته وحفظه بين عموم المسلمين. ولم ينفرد بقراءته وحفظه الخاصة، ليقتصر بيانهم له على ما يتناسب مع مصالحهم وأهدافهم. ويتعرض بذلك القرآن المجيد للاختلاف والتحريف والتشويه.
حتى إن البسملة في أوائل السور بقيت مثبتة في مصاحف المسلمين على اختلاف مذاهبهم، مع خلاف كثير منهم في جزئيتها، وتركهم قراءتها.