بينما وقف الموقف الحاسم من المنافقين حين صعَّدوا نشاطهم، وانتهى بهم الأمر إلى محاولة إقامة تجمع منفصل عن التجمع عند النبي (صلى الله عليه وآله) لهم ولحديثي الإسلام الذين دخلوا فيه كرهاً - بعد أن حاربوا ضدّه - وغيرهم من ضعاف الإيمان في قضية مسجد الضرار المشهورة. قال عز وجل: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضَرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينِ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا) [1].
وكان الموقف منهم شديداً، حيث أحرق رسول الله (صلى الله عليه وآله) المسجد المذكور[2]. وذلك شاهد على ما ذكرناه من أهمية قيام مجتمع مسلم موحد وتماسكه بما هو مسلم مهما كان حاله.
ولولا ما ذكرنا لكان المناسب أن ينبه الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) إلى ضرر موقفه المبني على التسامح والتغاضي عن السلبيات، ويسدده ليتخذ موقف الحزم والشدة منها وممن يحملها من المنافقين وضعاف الإيمان.
بل لا يبعد أن يكون ذلك هو الموقف في الأمم السابقة، كما قد يناسبه قوله عز وجل حكاية عن هارون في موقفه ممن عبد العجل من بني إسرائيل: (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَنِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)[3].