تعقد الأمور في شعب الجزيرة العربية

لكن عرب الجزيرة - مع ذلك - لا يخرجون عن الأقسام الثلاثة المتقدمة، وأهل البصائر والثبات فيهم قلة قليلة على النحو الذي تقدم في الأمر السابق، والغالب غلبة ساحقة عليهم القسمان الآخران.

ويزيد الأمر تعقيداً أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم ينشر الإسلام بهذه السعة وبهذه السرعة إلا بعد صراع مرير وحروب وتر فيها الأقربين والأبعدين.

ولاسيما قريش التي كانت قبل النبوة تحسد بني هاشم على ما كانوا يتميزون به من صفات حميدة ومواقف نبيلة، فرضوا بها احترامهم عليها وعلى العرب كافة.

ثم صارت فيهم النبوة التي هي: أولاً: شرف لا يعدله شرف، ثم هي تقضي بثبوت السلطة فيهم ووجوب الطاعة لهم.

وثانياً: تقضي على امتيازات قريش، لأنها تبتني على إلغاء كل امتياز بين المسلمين سوى التقوى الراجعة لطاعة الله ورسوله وأولي الأمر ممن يختاره الله تعالى. وقد قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [1].

حتى إن أبا سفيان لما مرّ بعد إسلامه - بالوجه المعروف - على سلمان الفارسي وجماعة من السابقين للإسلام، فقالوا: لم تأخذ سيوف الله من عدو الله مأخذها. قال لهم أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش؟! ولما بلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لأبي بكر معاتباً: لعلك أغضبتهم. وأمره باسترضائهم[2].

 


[1] سورة الحجرات الآية: ١٣.

[2] صحیح مسلم ج: ۷ ص: ۱۷۳ باب فيما جاء في فضائل سلمان وصهيب وبلال. مسند أحمد ج: ٥ ص: ٦٤ باب في حديث عمرو بن عائد. شرح نهج البلاغة ج: ۱۸ ص: ۳۸ في كتاب له (عليه السلام) الى سلمان قبل أيام خلافته. وغيرها من المصادر الكثيرة جداً.