الرابع: من المعلوم أن دعوة الإسلام القويمة قد ولدت في مكة المعظمة التي لها حرمتها في الجزيرة العربية، ومن وسط قبيلة قريش التي ينظر لها العرب باحترام عظيم، لأنها من سلالة النبي المعظم إبراهيم الخليل (على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام)، وكان لها سدانة البيت وسيادة الحرم، خصوصاً بعد واقعة الفيل.
ومن هنا كان من الطبيعي ما حصل من وقوف جمهور قريش في وجهها، ومقاومتهم بشراسة لها، لأنها تقتضي انفراد بني هاشم بالسيادة، وتقضي على كبرياء بقية بطون قريش وامتيازاتها.
وقد اضطر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أجل ذلك إلى الهجرة للمدينة المنورة، بعد أن اقتنع الأنصار بدعوته، وانتشر الإسلام بينهم وتعهدوا بالدفاع عنه ونصره.
وقد ضاقت قريش بذلك، فاشتد الصراع بينهم وبينه. وقد نكّل (صلى الله عليه وآله) بهم ووترهم في حروب مصيرية قادوها ضده، حاولوا فيها القضاء عليه وعلى دعوته، والتخلص منه، فلم يفلحوا، وكانت العاقبة له، حتى قضى على كبريائهم وفتح مكة عنوة، ثم أتبع ذلك بالاستيلاء على الطائف، حيث أخضع قبيلة ثقيف وقبيلة هوازن.
وبذلك كسر كبرياء أهم القبائل في جنوب الجزيرة العربية، وفرض هيبته على الجزيرة العربية كلها. وفي فترة قصيرة تيسر له (صلى الله عليه وآله) الاستيلاء عليها بكاملها، فانتشر الإسلام فيها طوعاً وكرهاً، وإيماناً ونفاقاً.