صلاح المجتمع مدعاة للتسديد والفيض الإلهي

ولا سيما أن المجتمع المذكور يكون حينئذ مورداً للفيض الإلهي. كما قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)[1]، وقال عز وجل: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم...)[2].

وقد تقدم قريباً في كلام سلمان الفارسي (رضي الله عنه) ما يناسب ذلك. ونحوه في كلام له آخر[3]. وفي كلام له ثالث: ((لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم، ومن تحت أرجلهم))[4]. وفي كلام أبي ذر: ((أما لو قدّمتم من قدّم الله، وأخّرتم من أخّر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم، لأكلتم من فوق رؤوسكم، ومن تحت أقدامكم[5].

ومن الظاهر أن الفيض الإلهي المذكور يقلل من فرص الخلاف والشقاق ومن الخروج على السلطة الشرعية. لفقد المبرر لها، ورفض المسلمين لذلك حينئذٍ.

بل قد ورد في كلام غير واحد من أهل البيت (صلوات الله عليهم) ووجوه الصحابة القطع بعدم تحقق الخلاف والشقاق حينئذ. كما يناسبه ما سبق في كلامي سلمان وأبي ذر .

وقالت الصديقة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) في خطبتها الكبرى: ((فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر... وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً للفرقة))[6].

وقال عبد الله بن جعفر في حديث له مع معاوية: ((فإن هذه الخلافة إن أخذ فيها بالقرآن فأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، وإن أخذ فيها بسنة رسول الله فأولوا رسول الله... وأيم الله لو ولوه بعد نبيهم لوضعوا الأمر في موضعه، لحقه وصدقه، ولأطيع الرحمن وعصي الشيطان، وما اختلف في الأمة سيفان))[7]... إلى غير ذلك مما يدل على أن الأمة لو لم تنحرف من أول الأمر لاستمرت في استقامتها وتماسكها.

ولو فرض أن سولت بعض النفوس لأصحابها الخلاف والشقاق، كان خارجاً عن جماعة المسلمين محارباً من قبلهم، لا مجال لتبرير موقفه بعد اتفاقهم على وجوب طاعة الإمام وعصمته اللذين لا مجال معهما للاجتهاد والاختلاف.

ولاسيما بعد إدراكهم خير ذلك وبركته، بنحو يقتضي تجذر الاستقامة والانقياد للحق في نفوسهم، والاهتمام بالحفاظ عليه، والدفاع عنه.

 


[1] سورة الأعراف الآية: ٩٦.

[2] سورة المائدة الآية: ٦٥، ٦٦.

[3] المصنف لابن أبي شيبة ج: ٨ ص: ٥٨٦ كتاب المغازي: ما جاء في خلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام).

[4] أنساب الأشراف ج: ٢ ص: ٢٧٤ أمر السقيفة.

[5] تاريخ اليعقوبي ج: ٢ ص: 171 أيام عثمان.

[6] راجع ملحق رقم (۱).

[7] الإمامة والسياسة ج: ١ ص: ١٤٠ ما تكلم به عبد الله بن جعفر - جمهرة خطب العرب ج: ٢ ص: ٢٤٧ الباب الثالث: الخطب والوصايا في العصر الأموي: خطب بني هاشم وشيعتهم وما يتصل بها: خطبة عبد الله بن جعفر.