دفع الدعوى المذكورة

والجواب عن ذلك: أن من تتمة نظام الإسلام العظيم أن يكون المشرف على تطبيقه بعد النبي (صلى الله عليه وآله) هم الأئمة من أهل البيت (صلوات الله عليهم)، المأمونين عليه نتيجة عصمتهم، والمحكمين فيه نتيجة وجوب موالاتهم وطاعتهم. وبذلك كمال الدين وتمام النعمة .

ولو أن الصحابة الأولين من المهاجرين والأنصار أجمعوا على ذلك، واتحدت كلمتهم، وتسلم أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) السلطة بناء على ذلك وإقراراً له، لاختلف كيان الإسلام عما انتهى إليه بسبب الانحراف.

إذ يقر قولاً وعملاً بنحو إجماعي عند المسلمين نظام الخلافة حينئذ على ما أراده الله تعالى من خلافة الإمام المعصوم المنصوص عليه، بدءاً بأمير المؤمنين (صلوات الله عليه). وهو الذي كان يد النبي (صلى الله عليه وآله) الضاربة، وسيفه الصارم في جهاده الطويل، والمبلغ عنه والناطق باسمه.

والذي هو امتداد طبيعي لوجوده(صلى الله عليه وآله) الشريف في كونه عميداً لبني هاشم، القبيلة ذات المقام الرفيع في نفوس العرب، الذي زاد فيه النبي (صلى الله عليه وآله) والإسلام أضعافا كثيرة.

كما أنه (عليه السلام) امتداد طبيعي للنبي (صلى الله عليه وآله) في قوة شخصيته(عليه السلام) وصلابته وهيمنته، وفي علمه وعمله، وفي مبادئه ومثاليته.

ويترتب على ذلك أمور في غاية الأهمية ...

الأول: انصياع العرب لأمير المؤمنين (عليه السلام) بعد النبي(صلى الله عليه وآله)، ويتجنب المسلمون كثيراً من الحروب التي سميت بحروب الردة، أو جميعها.

كما يناسبه قول سلمان الفارسي حينما بويع أبو بكر: ((أصبتم ذا السن منكم، وأخطأتم أهل بيت نبيكم. لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنان. ولأكلتموها رغداً))[1]، وقول أبي ذر: ((لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان))[2].

إذ الظاهر أن كثيراً من تلك الحروب أو كلها إنها كانت من أجل تثبيت السلطة الجديدة المهزوزة دينياً، لعدم كونها بعهد من النبي(صلى الله عليه وآله)، واجتماعياً، لاستهانة العرب بأبي بكر وقبيلته، ولسقوط هيبة الإسلام باختلاف المسلمين وانشقاقهم، على ما أوضحناه في جواب السؤال الرابع من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة).

الثاني: قطع آمال الآخرين في السلطة إلى الأبد. ويتجنب المسلمون الصراع عليها. ذلك الصراع الذي فرّقهم ونخر في كيانهم. بل دمرهم.

الثالث: تحجيم دور المنافقين وحديثي الإسلام في إدارة الأمور، وفي نشر مفاهيمهم، وقطع الطريق عليهم من أجل قضاء مآربهم الخبيثة على حساب الإسلام.

الرابع: قوة نفوذ السابقين من الصحابة المعروفين بقوة الدين والإخلاص والأثر الحميد في الإسلام، والتابعين لهم بإحسان من ذوي الإيمان والتقوى والالتزام العملي.

وبذلك يتجنب الإسلام كثيراً من السلبيات والمفارقات، التي تقدم منا التعرض لبعضها في حديثنا هذا.

ومن الطبيعي حينئذ أن تسير عجلة الإسلام بتعاليمه الكاملة ومثله السامية على الطريق الواضح، من دون أي انحراف أو تحوير أو وهن، ويتجسد بواقعه الثقافي والعملي على ما أراده الله عز وجل، كما تضمنت ذلك النصوص الكثيرة.

فإذا تمت الفتوح في عهد هذا الإسلام الأصيل وهذه القيادة الفذة، والجماعة الصالحة، واتسعت رقعته، وجاءت بسببها الغنائم والخيرات، والعزة والكرامة، قوي هذا الإسلام وارتفع شأنه، وتركز في النفوس وتجذر في أعماقها .

وبذلك يقوم كيان الإسلام على الاستقامة والصلاح مهما اتسع وانتشر، من دون أن يكون هناك ما يدعو للخروج عليه، أو الانحراف به.

 


[1] شرح نهج البلاغة ج: ٢ ص: ٤٩، ج: ٦ ص: ٤٣.

[2] شرح نهج البلاغة ج: ٦ ص: ١٣، واللفظ له، ج: ٢ ص: ٤٩. بحار الأنوار ج: ٢٨ ص: ١٩٥.