حديث سدير الصيرفي

وقد يحسن بنا أن نذكر هنا حديث سدير الصيرفي، قال: ((دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقلت له: والله ما يسعك القعود فقال: ولِمَ يا سدير؟ قلت: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك. والله لو كان لأمير المؤمنين(عليه السلام) لا ما لَكَ من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيم وعدي. فقال: يا سدير وكم عسى أن يكونوا؟ قلت: مائة ألف. قال: مائة ألف؟! قلت: نعم، ومائتي ألف. قال: مائتي ألف ؟! قلت: نعم، ونصف الدنيا. قال: فسكت عني. ثم قال: يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع؟ قلت: نعم. فأمر بحمار وبغل أن يسرجا... فمضينا، فحانت الصلاة، فقال: يا سدير انزل بنا نصلي. ثم قال: هذه أرض سبخة لا تجوز الصلاة فيها. فسرنا حتى صرنا إلى أرض حمراء. نظر إلى غلام يرعى جداء. فقال: والله یا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود. ونزلنا وصلينا. فلما فرغنا من الصلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر))[1].

ومن الطبيعي أن يكون مراده من الشيعة هنا الخلّص ذوي الثبات والتسليم والتصميم على الوجه الأكمل، الذين لا تزعزعهم المحن والبليات ولا تزيلهم الشبهات والمغريات.

وقد يشير إلى ذلك حديث أبي مريم عن الإمام الباقر(عليه السلام): ((قال: قال أبي يوماً وعنده أصحابه: من منكم تطيب نفسه أن يأخذ جمرة في كفه، فيمسكها حتى تطفأ؟ قال: فكاع الناس كلهم ونكلوا. فقمت وقلت: يا أبة أتأمر أن أفعل؟ فقال: ليس إياك عنيت. إنما أنت مني وأنا منك. بل إياهم أردت [قال:] وكررها ثلاثاً. ثم قال: ما أكثر الوصف، وأقل الفعل. إن أهل الفعل قليل. إن أهل الفعل قليل. وإنا لنعرف أهل الفعل والوصف معاً. وما كان هذا منّا تعامياً عليكم، بل لنبلوا أخباركم، ونكتب آثاركم. فقال: والله لكأنما مادت بهم الأرض حياء مما قال... فلما رأى ذلك منهم قال: رحمكم الله فما أردت إلا خيراً. إن الجنة درجات، فدرجة أهل الفعل لا يدركها أحد من أهل القول ودرجة أهل القول لا يدركها غيرهم. قال: فوالله لكأنما نشطوا من عقال))[2].

وعلى ذلك يجري قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً * وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً)[3].

نعم قد تعرض الأئمة (صلوات الله عليهم) للإنكار عليهم ممن يتبنى خط الثورة من العلويين وغيرهم. إلا أنهم (عليهم السلام) لم يكترثوا بذلك بعد رضوخ شيعتهم لهم، وتقبلهم لموقفهم. ولاسيما بعد ظهور فشل محاولات الثورة والإصلاح الكثيرة عسكرياً، أو عملياً بانحراف الثورة حين قيامها أو بعد نجاحها.

والحاصل: أن فاجعة الطف قد خففت من ضغط الدعوة للثورة على سلطان الجور عن الأئمة (صلوات الله عليهم)، وسهّلت عليهم إقناع شيعتهم بعدم الجدوى فيها، وانتظار الفرج بقيام الحجة المهدي المنتظر (صلوات الله عليه وعجل الله فرجه). وعلى مزيد من الضغط النفسي على الشيعة والأخذ والرد بينهم وبين أئمتهم (صلوات الله عليهم)، نظير ما تقدم في حديث سدير.

وهذه فائدة مهمة لفاجعة الطف، حيث سهلت على الأئمة (عليهم السلام) البناء الشيعة ثقافياً كما يريدون، بعيداً عن الضجيج والعجيج. وهي في الحقيقة من جملة الثمرات الدينية لفاجعة الطف، تضاف لما سبق في الفصل الأول.

 


[1] الكافي ج: ۲ ص: ٢٤٢-٢٤٣ حديث: ٤.

[2] الكافي ج: ٨ ص: ۲۲۷ - ۲۲۸ ح: ۲۸۹

[3] سورة النساء الآية: ٦٥-٦٦.