كشفت فاجعة الطف عن تعذر إصلاح المجتمع بالوجه الكامل

وقد كشفت فاجعة الطف أخيراً عن تعذر ذلك، وأكدت ما كشفت عنه تجربة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) من قبل.

وكلما امتدّ الزمن كان ذلك أولى بالتعذر، فإن ظرف نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) يتميز عما بعده من العصور بأمور:

الأول: شخص الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، الذي هو أعرف الناس بحقيقة الإسلام. مع مؤهلاته الشخصية الأخرى، من حكمة واستقامة، وقوة وتصميم، وصلابة موقف ... إلى غير ذلك.

مضافاً إلى أنه خامس أصحاب الكساء (عليهم السلام)، وقد فرض احترامه على عموم المسلمين، وهم يرونه في قرارة نفوسهم الرجل الأول فيهم، كما سبق.

الثاني: القرب من العهد النبوي، حيث يوجد بقية من كبار الصحابة والتابعين، الذين هم على علم بكثير من الحقائق قد تكون خفيت بعد ذلك.

الثالث: التدهور السريع نتيجة الانحراف، خصوصاً في العهد الأموي، الذي تمادى فيه الانحراف لصالح من يعرف عنهم المسلمون أنهم أعداء الإسلام، حيث صدمهم ذلك، وعظم وقعه عليهم.

أما بعد ذلك فيهون ما استصعبوه أولاً، إذ كلما طال الزمن وتعاقبت الأجيال يخف وقع الانحراف والتدهور، ويألفه المجتمع حتى يكون جزءاً من كيانهم، ولا يستفزهم.

الرابع: وجود نخبة صالحة قد تعرفت على الحقيقة الكاملة من عهد أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، وصممت على التضحية في سبيل هذه الحقيقة.

ولا نعني بذلك كل من كتب إلى الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، أو بايع. إذ كثير منهم انتهازيون قد قاموا بذلك لتخيلهم نجاح الإمام (عليه السلام) في الاستيلاء على السلطة، وكثير منهم همج رعاع ينعقون مع كل ناعق.

بل نعني به من كان مصمماً على التضحية عن جدّ وإخلاص، وهم كثيرون نسبيا، سواء من ضحى بالفعل، أم من لم يضح، إما لأنه منع من الوصول للإمام الحسين (عليه السلام)، لسجن، أو لقطع الطرق وجعل المراصد - كما أشرنا إليه في المقدمة - أو لأن عزمه قد ضعف عندما جدّ الجد، أو عندما يئس من انتصار الإمام الحسين (عليه السلام) عسكرياً.

ومع كل هذه الأمور الأربعة لم يتسن للنهضة الشريفة النجاح العسكري، بسبب غشم السلطة، وفساد المجتمع، وتخاذله أمام الغشم المذكور.

كما قال الإمام الحسين (صلوات الله عليه) في خطبته في الطريق أو حينما نزل كربلاء: ((الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون))[1].

وقد تجاهلت السلطة كل الحواجز والمثبطات، وقامت بهذه الجريمة النكراء بأبعادها المتقدمة، وتبعها من تبعها، وكمّت الأفواه، بين الخوف والأطماع.

وذلك كاف لأن يكون عبرة ودليلاً على تعذر الإصلاح الكامل، إذ لا ينتظر وجود قائد أكفأ من الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، ولا وجود أناس أصلح ممن كان في عصره، ولا تهيؤ ظرف أحسن من ظرفه بحسب الوضع الطبيعي. بل كلما استمر الزمن زاد الفساد وألِفه الناس.

 


[1] تقدمت مصادره في المقدمة عند الكلام في نزوله (عليه السلام) كربلاء وتنبيهه لظلامته وتمسكه بموقفه.