ويترتب على ما ذكرنا أنه لا ينبغي لعموم الناس التجاوب مع مدعي الإصلاح إذا لم يلتزم بالمبادئ والمثل، وسوغ لنفسه الخروج عليها.
لأن ذلك يكشف إما عن كذبه في دعوى الإصلاح، أو عن ضعفه أمام المغريات والمبررات المزعومة، بنحو لا يؤمن عليه من الانحراف في نهاية المطاف، فيكون التعاون معه تغريراً وتفريطاً لا يعذر صاحبه فيه.
والحذر ثم الحذر من أن تجرّ شدة الانفعال من الفساد، والرغبة العارمة في الإصلاح، إلى مواقف انفعالية عاطفية يفقد الإنسان بها رشده، فيتخلى في سبيل تحقيق هدفه عن المبادئ الشريفة، والتعاليم الدينية القويمة، بأعذار ومبررات ما أنزل الله بها من سلطان، فيكون قد أعطى باليمين ما أخذه باليسار.
بل قد يزيد في الفساد، لأنه إذا فتحت الباب للأعذار والمبررات صعب غلقها أو تحجيمها وتحديدها. وكلما استمر الإنسان على ذلك زاد هو وكل من هو على خطه جرأة على الخروج عن المبادئ الشريفة والتعاليم السامية، حتى يتمحض مشروعه في الجريمة.
على أنه ربما يفشل في مشروعه، ويبقى عليه تبعة الخروج في سبيل تحقيق هدفه عن الموازين الدينية والعقلية والأخلاقية.
أضف إلى ذلك أن تبرير الجريمة في نفسه من أجل الغاية من قِبَل الشخصيات ذات الوجود الاجتماعي المحترم موجب لتخفيف حدّة الجريمة في نفوس العامّة، وضعف الرادع الوجداني عنها تدريجاً، فيسهل ارتكابها. وبذلك تضيع معالم الحق. وهو من أعظم الجرائم في حق المجتمع.
وما أكثر ما استغل المصلحيون والانتهازيون في سبيل تحقيق مصالحهم وأهدافهم الجهنمية تأجيج العواطف ضد الفساد، والدعوة للإصلاح، من أجل إغفال أتباعهم عن واقعهم المشبوه وسلوكهم المشين، فسار الناس وراءهم متغافلين عن كل ما يصدر منهم، ثم لم ينتبهوا إلا بعد فوات الأوان، حيث لا ينفع الندم. ونسأل الله سبحانه وتعالى العصمة والسداد.