ولذا اضطر خصوم التشيع على طول الخط وحتى يومنا الحاضر لمقاومته، والمنع من امتداده في عمق المجتمع المسلم بطرق..
أولها: القمع والتنكيل بالشيعة بمختلف الوجوه، وبدون حدود. لئلا يتسنى لهم إسماع دعوتهم، والاستدلال عليها.
ثانيها: تشويه صورتهم، وافتراء كثير من الأمور المستنكرة عليهم. بل كثيراً ما انتهى بهم الأمر إلى تكفير الشيعة وإخراجهم من الإسلام.
كل ذلك من أجل تنفير عامة الجمهور منهم، وإبعادهم عنهم، لئلا يتيسر هم السماع منهم، والتعرف على ثقافتهم وعقيدتهم الحقيقية، وعلى أدلتهم المنطقية عليها.
ثالثها: إبعاد عامة الجمهور عن كثير من تراث الجمهور أنفسهم، وإغفالهم عما يخدم خط التشيع منه، والتركيز على غيره وإشغالهم به، وإن كان دون ما سبق دلالة أو سنداً.
رابعها: محاولة إبعاد عامة الجمهور أيضاً عن البحث في الأمور العقائدية، وحملهم على التمسك بما عندهم على أنها مسلمات لا تقبل البحث والنظر.
نظير ما سبق من الأولين من التحجير على السنة النبوية، وحصر الثقافة الدينية بما تسمح به السلطنة، والمنع حتى من السؤال عن تفسير القرآن الشريف.
خامسها: إغفال التراث والفكر الشيعي في مقام البحث والنظر، وإبعادهما عن متناول الجمهور. بل حتى عن الباحثين منهم.
وقد بلغنا أن بعض المكتبات المهمة في عصرنا تمتنع من عرض الكتب الشيعية، وإن كانت قد تعرض كتباً تتضمن أفكاراً تتناقض مع الدين والأخلاق.
وقد جروا في ذلك على سيرة أسلافهم. قال ابن خلدون:
((وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به. وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح، وعلى قولهم بعصمة الأئمة، ورفع الخلاف عن أقوالهم. وهي كلها أصول واهية. وشذّ بمثل ذلك الخوارج.
ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم، بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح، فلا نعرف شيئاً من مذاهبهم، ولا نروي كتبهم. ولا أثر لشيء منها إلا في مواطنهم. فكتب الشيعة في بلادهم، وحيث كانت دولتهم قائمة...))[1].
بل موقفهم من الخوارج دون موقفهم من الشيعة، إذ كثيراً ما يتعاطفون معهم، ويتواصلون مع رجالهم وتراثهم، كما يظهر بالرجوع للمصادر المعنية بذلك.
ويلحق بذلك تجاهل أئمة الشيعة (صلوات الله عليهم) وجميع رموز التشيع وأعلامه، أو التخفيف من شأنهم، مع ما لهم من الأثر الحميد في الإسلام، والموقع المتميز في المسلمين، وتسالمهم على رفعة مقامهم.
سادسها: التحذير من الاحتكاك بالشيعة والتحدث معهم في الأمور العقائدية، وفتح باب الجدل والاحتجاج معهم ... إلى غير ذلك مما يدل على شعور الجمهور بأصالة الفكر الشيعي وقوة حجته.
ولذا كان التشيع في غنى عن نظير ذلك مع بقية فرق المسلمين، بل يؤكد الشيعة على لزوم البحث والنظر في الدين بموضوعية كاملة. كما ينتشر تراث الجمهور بينهم، على ما تعرضنا له في جواب السؤال الأول من الجزء الأول من كتابنا (في رحاب العقيدة).