سنوح الفرصة لاتخاذ الموقف المذكور بعد معاوية

ومن الظاهر أن الفرصة قد سنحت بعد معاوية لاتخاذ الموقف المذكور للأسباب التالية:

الأول: التحول في معيار اختيار الخليفة، وفي شخص الخليفة، بالنحو غير المألوف للمسلمين، ولا المقبول عندهم في وقته.

حيث يصلح ذلك مبرراً لإعلان عدم الشرعية، والامتناع من البيعة، ثم التذكير بجرائم الأمويين عموماً، والإنكار عليهم، وفضحهم.

الثاني: طيش يزيد، واعتماده القوة والعنف في مواجهة الأزمات ومعالجة المشاكل، من دون تدبر في العواقب وحساب لها، على خلاف ما كان عليه الأمر في عهد معاوية.

الثالث: وجود جماعة كبيرة مندفعة مبدئياً وعاطفياً نحو التغيير، مقتنعة بإمكانه، واثقة بالقيادة المعصومة، وتدعوها للعمل على ذلك، وتَعِدُها النصرة. حيث تتحقق بتلك الجماعة مبررات المواجهة وآلية العمل، واتخاذ الموقف المذكور.

الرابع: أن فاجعة الطف - بأبعادها الدينية والعاطفية والإلهية التي تقدم تفصيل الكلام فيها - كانت هي الجريمة الأحرى باستفزاز جمهور المسلمين واستثارة غضبهم، وفصلهم عن السلطة وسلب ثقتهم بها.

كما أنها الأخرى بأن تبقى عاراً على الأمويين ومن يتبنى خطهم، ويتحملوا معرتها ما بقيت الدنيا. كما صرّح بذلك الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في كتابه المتقدم لابن زياد، الذي قال فيه: ((أما بعد فإن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق. وهو ابن فاطمة، وفاطمة بنت رسول الله. فاحذر يا ابن زیاد أن تأتي إليه بسوء، فتهيج على نفسك وقومك في هذه الدنيا ما لا يسده شيء، ولا تنساه الخاصة والعامة أبداً ما دامت الدنيا))[1].

وربما يفسر ذلك ما تقدم في حوار الإمام الحسين (صلوات الله عليه) مع أخيه محمد بن الحنفية (رضي الله عنه) حينما سأله عن وجه تعجيله بالخروج، فقال (عليه السلام): ((أتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعدما فارقتك، فقال: يا حسين اخرج، فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً)). فقال محمد: ((إنا لله وإنا إليه راجعون. فما معنى حملك هؤلاء النسوة معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟)) فقال: ((قد قال لي: إن الله قد شاء أن يراهن سبايا))[2].

وعلى كل حال فيتم بذلك الشوط الذي بدأه أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام)، وصالح من أجله الإمام الحسن (صلوات الله عليه) - على ما يأتي في المقصد الثالث إن شاء الله تعالى - وصارع من أجل استمراره خواص الشيعة، وتحملوا في سبيله صنوف الأذى والتنكيل.

 


[1] بحار الأنوار ج: ٤٤ ص: ٣٦٨، وتقدمت بقية مصادره وتحقيق الكلام في كاتبه في أواخر الكلام في موقف السلطة من الفاجعة نتيجة ردود الفعل ومحاولتها التنصل من الجريمة.

[2] اللهوف في قتلى الطفوف ص: ٣٩-٤٠ خروج الحسين من مكة إلى العراق.