ويزيد في تعقد الأمور أنه لم يعرف عن أحد قبل الإمام الحسين (عليه السلام) الخروج على الحكم الأموي - مع شدة مخالفته للدين، وطول مدته - إلا الخوارج الذين قد سقط اعتبارهم عند المسلمين.
أولاً: لظهور بطلان أسس دعوتهم، خصوصاً بعد قتال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لهم، وفتكه بهم، في بدء ظهورهم، مع ما تظافر عنه (عليه السلام) وعن النبي (صلى الله عليه وآله) من قبله من الطعن فيهم، والحكم بضلالهم وهلاكهم.
وثانياً: لتطرفهم وانتهاكهم للحرمات، بنحو أو جب مقت عامة المسلمين لهم. وقد استغلت السلطة ذلك كله ضدّهم، وضدّ كل من يخرج عليها، حتى الإمام الحسين (صلوات الله عليه). حيث حاولت في عنفوان اصطدامها به أن تجعله ومن معه خوارج مهدوري الدم شرعاً، كما تقدمت بعض شواهد ذلك عند الكلام على تركيز السلطة على وجوب الطاعة ولزوم الجماعة.
ومن الطريف في ذلك ما ورد من أن هاني بن عروة لما ذهب إلى ابن زياد زائراً، وطلب منه ابن زياد أن يدفع إليه مسلم بن عقيل (عليه السلام)، وامتنع من ذلك، معتذراً بأنه ضيفه وجاره، طلب ابن زياد أن يدنوه منه، فلما أدنوه استعرض وجهه بالقضيب، فلم يزل يضرب أنفه وجبينه وخده حتى كسر أنفه ونثر لحم خديه وجبينه على لحيته وسالت الدماء على ثيابه حتى كسر القضيب. فلما ضاق الأمر بهاني ضرب يده إلى قائم سيف شرطي ليدافع عن نفسه فجاذبه الشرطي ومنعه. فقال ابن زياد لهاني: ((أحروري سائر اليوم؟! أحللت بنفسك قد حلّ لنا قتلك))[1].
فكأن المفروض على هاني أن يستسلم لابن زياد ويتركه يفعل به ما يشاء، ولا يدافع عن نفسه، وإلا كان حرورياً خارجياً يهدر دمه ويحلّ قتله!.
والحاصل: أنه لا أثر لخروج الخوارج على السلطة في سلب شرعيتها، والحدّ من غلوائها، بعد إقرار أكابر المسلمين لها، ودخولهم في طاعتها.
[1] تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٢٧٣-٢٧٤ أحداث سنة ستين من الهجرة: ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السلام)..، واللفظ له. الكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ٢٩ أحداث سنة ستين من الهجرة: ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين بن علي(عليه السلام)... البداية والنهاية ج: ٨ ص: ١٦٦ أحداث سنة ستين من الهجرة: قصة الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمارة ومقتله. نهاية الأرب في فنون الأدب ج: ٢٠ ص: ٢٤٧ أحداث سنة ستين من الهجرة: ذكر استعمال عبيد الله بن زياد على الكوفة وقدومه إليها وخبره مع هاني بن عروة، وغيرها من المصادر.