غير أن جهوده (صلوات الله عليه) أصبحت مهددة بالخطر، نتيجة خطوات معاوية المتلاحقة، وآخرها البيعة لابنه يزيد في دولة قوية، قد أرسى قواعدها، وأحكم بنيانها، وأمة متخاذلة أنساها دينها ومثلها، وأحيى دعوة الجاهلية فيها، وسلبها شخصيتها وكرامتها، وأذلها بالترغيب والترهيب وشوّه مفاهيمها وتعاليمها بالإعلام الكاذب والتثقيف المنحرف.
ومن الظاهر أن البيعة ليزيد كانت تدهوراً سريعاً في معيار اختيار الخليفة، وابتداعاً لأمر لم يعهده المسلمون من قبل، ولم يألفوه بعد، ولا تقبلوه.
أولاً: بلحاظ واقع يزيد التافه، وسلوكه الشخصي المشين، وظهور استهتاره بالدين والقيم، ومقارفته للموبقات، وانغماسه في الشهوات.
وثانياً: بلحاظ ابتناء اختياره على وراثة الخلافة وانحصارها بآل معاوية، وتجاهل أكابر المسلمين من بقايا الصحابة وأبنائهم. ولا سيما بعد ما عاناه الإسلام والمسلمون من حكم معاوية نفسه، وتجربته المرة التي مرت بهم.
فإذا لم يستغل ذلك في الإنكار والدعوة للتغيير، وبقيت الأمور على ما هي عليه، وبايع أكابر المسلمين - وعلى رأسهم الإمام الحسين (صلوات الله عليه) - يزيد، تأكدت شرعية تلك الدولة القوية التي ينتظر منها القضاء على الدين، وعلى جهود أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في كبح جماح الانحراف.