أحكم معاوية بناء دولة قوية

المقام الثالث

في أثر فاجعة الطف في الإسلام بكيانه العام

مات معاوية وقد خلف للإسلام تركة ثقيلة. حيث أقام دولة ذات أهداف قبلية جاهلية، تتخذ من الإسلام ذريعة لتحقيق أهدافها، ولو بتحريفه عن حقيقته، كما سبق.

ولو قدر لها البقاء والعمل كما تريد لقضت على جهود أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في كبح جماح الانحراف، وتعريف المسلمين بمعالم دينهم، ليستضيء بها من يطلب الدين الحق، ويحاول التعرف عليه والتمسك به.

أحكم معاوية بناء دولة قوية

وقد أحكم معاوية بناء هذه الدولة وأرسى أركانها بالترغيب والترهيب، والإعلام الكاذب والتثقيف المنحرف، وإثارة العصبية والنعرات الجاهلية، فكانت هي المعايير العامة في إعلان الولاء والتأييد.

وتجاهل ذوو النفوذ في المجتمع ما عداها من دواعي الدين والمبادئ والمثل والأخلاق، وتسابقوا في إرضاء السلطة والتزلف لها والتعاون معها ودعمها. وأَلِفَ الجمهور ذلك وتأقلموا معه، على أنه هو الواقع العملي للخلافة والسلطة، وللدين الذي تمثله.

وكنموذج متميز في ذلك الأحنف بن قيس الذي يعد من النخب القليلة في العرب في الحلم والعقل وعدم الإغراق في الاهتمام بالمكاسب الشخصية، ومع ذلك يقول: ((قد بلونا آل أبي طالب فلم نجد عندهم إيالة للملك ولا صيانة للمال ولا مكيدة في الحرب ...))[1].

وقد أوضح معاوية إحكامه لبناء هذه الدولة في وصيته لابنه يزيد، حيث قال له في مرضه الذي توفي فيه: ((يا بني إني قد كفيتك الرحلة والترحال، ووطأت لك الأشياء، وذللت لك الأعداء، وأخضعت لك أعناق العرب، وجمعت لك من جمع واحد. وإني لا أتخوف أن ينازعك هذا الأمر الذي استتب لك إلا أربعة نفر ...))[2].

 


[1] أنساب الأشراف ج: ۱۲ ص: ۳۲۲، واللفظ له، ج: ۱۲ ص: ۳۳۷ في أمر الأحنف بن قيس. جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري ج: ١ ص: ١٤١ في قوهم: ((أست المرأة أحق بالمجمر)). البلدان لابن الفقيه الهمذاني ص: ٢٤٦.

[2] تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٢٣٨ أحداث سنة ستين من الهجرة، واللفظ له. البداية والنهاية ج: ص: ١٢٣ أحداث سنة ستين من الهجرة. تاريخ ابن خلدون ج ۳ ص: ۱۸ وفاة معاوية. الفتوح لا بن أعثم ج: ٤ ص: ٣٥٤ ذكر الكتاب والعهد إلى يزيد. وغيرها من المصادر.