تراجع المأمون عن موقف آبائه

ولما جاء عهد المأمون أدرك أن ظلامة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) بلغت حداً أوجب تعاطف الناس معهم، ونقمتهم على العباسيين من أجل ذلك، ومن أجل ظلمهم وطغيانهم، فحاول امتصاص النقمة بالبيعة للإمام الرضا (صلوات الله عليه). على ما أوضحناه في أواخر الجزء الثالث من كتابنا (في رحاب العقيدة).

وخفّ الضغط على الشيعة نسبياً، فانتشرت ثقافة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وقام للشيعة كيانهم كأمر واقع مفروض في المجتمع، وأخذ بالظهور والاتساع.

إلا أن الأمر لم يتجاوز ذلك، ليصل إلى القدح في الخط الآخر. بل بقي احترام الخط المخالف لأهل البيت (عليهم السلام) والتزام نهجه الفقهي ومعالمه المميزة هو السمة العامة في الدولة العباسية وثقافتها، إما لقناعة السلطة بذلك، أو مجاراة للجمهور الذي أخذت تلك الثقافة موقعها منه.

حتى إن المأمون لما رأى في معاوية ما استوجب اللعن نادى مناديه: ((برئت الذمة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير، أو قدمه على أحد من أصحاب رسول الله ﷺ...))[1]. وأنشئت الكتب إلى الآفاق بلعنه على المنابر.

فأعظم الناس ذلك وأكبروه، واضطربت العامة منه. فأشير عليه بترك ذلك، فأعرض عما هم به[2].

 


[1] مروج الذهب ج: ٤ ص: ٤٤ ذكر خلافة المأمون: المأمون وحديث معاوية. وقريب منه في تاريخ الطبري ج: ٧ ص: ۱۸۷ في أحداث سنة إحدى عشرة ومائتين، والكامل في التاريخ ج: ٦ ص: ٤٠٦ في أحداث سنة إحدى عشرة ومائتين، وتاريخ الإسلام ج: ١٥ ص: ٦-٧ في أحداث سنة إحدى عشرة ومائتين: تشيع المأمون.

[2] مروج الذهب ج: ٤ ص: ٤٤-٤٥ ذكر خلافة المأمون: المأمون وحديث معاوية.