وسبق من سيدة النساء فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) أن قالت في مبدأ الانحراف، بعد التحاق النبي (صلى الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى، وافتتان الأمة، وخروج الخلافة عن موضعها الذي وضعها الله تعالى فيه: ((أما لعمرُ الله لقد لَقِحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوها طلاع القعب دماً عبيطاً وذعافاً ممقراً. هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون. ثم طيبوا عن دنياكم نفساً، واطمئنوا للفتنة جأشاً، وابشروا بسيف صارم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً وجمعكم حصيداً...))[1].
وعن عبد الله بن عمر أنه قال: ((لما بايع الناس أبا بكر سمعت سلمان الفارسي يقول: كرديد ونكرديد. أما والله لقد فعلتم فعلة أطمعتم فيها الطلقاء ولعناء رسول الله ﷺ. قال: فلما سمعت سلمان يقول ذلك أبغضته، وقلت: لم يقل هذا إلا بغضاً منه لأبي بكر)). قال: ((فأبقاني الله حتى رأيت مروان بن الحكم يخطب على منبر رسول الله. فقلت: رحم الله أبا عبد الله. لقد قال ما قال بعلم كان عنده))[2].
وفي حديث أبي الأشعث الصنعاني أن ثمامة كان على صنعاء، وكان من أصحاب رسول الله ﷺ، فلما جاء نعي عثمان بكى بكاءً شديداً، فلما أفاق قال: ((هذا حين انتزعت خلافة النبوة من آل محمد وصارت ملكاً وجبرية، من غلب على كل شيء أكله))[3].
فإن ذلك يؤكد صدق مدعي النص. ولاسيما بعد كون المنصوص عليه هم أهل البيت (صلوات الله عليهم)، الذين هم أولى الناس بالنبي (صلى الله عليه وآله)، وأخصهم به، وأعلمهم بالدين، وأحرصهم عليه، وأكملهم تطبيقاً له وعملاً به، وتفاعلاً معه.
وأولهم أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي رأوا في تجربته الحفاظ على الضوابط الدينية، والعدل والمثالية، ونشر المعارف الدينية، وظهور المعاجز والكرامات على يديه، ودعم التسديدات الإلهية له... إلى غير ذلك، بحيث يصلح عهده لأن يكون امتداداً للعهد النبوي الشريف.