الأمر الرابع من ثمرات استلامه (عليه السلام) للسلطة: أن مقتل عثمان كان مفتاحاً للصراع الدموي على السلطة في الإسلام، ولظهور الانقسام في الأمة وظهور الفرق فيها.
وقد تنبأ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بذلك في أحداث الشورى نتيجة لما عنده من مكنون العلم. فقد روي عنه (عليه السلام) أنه قال الجماعة الشورى بعد أن ذكر حق أهل البيت (صلوات الله عليهم):
(اسمعوا كلامي وعوا منطقي. عسى أن تروا هذا الأمر بعد هذا الجمع تنتضى فيه السيوف، وتخان فيه العهود، حتى لا يكون لكم جماعة، وحتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة، وشيعة لأهل الجهالة ))[1].
وقد سبق أنه (عليه السلام) قال لعثمان: ((وإني أنشدك الله أن لا تكون إمام هذه الأمة المقتول، فإنه كان يقال: يقتل في هذه الأمة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة...))[2].
ومن الظاهر أن المسلمين لا عهد لهم بهذه الحروب ولا يعرفون أحكامها، وإنما يعهدون حرب الكفار من المشركين وأهل الكتاب. فتتحكم فيها اجتهادات السلطة ونزواتها من دون تحديد للحق والباطل، والعدل والجور.
وفي الحقيقة قد سبقت الحرب للمسلمين من أجل السلطة قبل ذلك عند ارتحال النبي (صلى الله عليه وآله) للرفيق الأعلى. فإن بعض الحروب التي أطلق عليها حروب الردة لم تكن في الحقيقة حروب ردة، بل كانت من أجل تثبيت سلطة أبي بكر، على ما ذكرناه في جواب السؤال الرابع من الجزء الثاني من كتابنا في (رحاب العقيدة).
إلا أن السلطة قد حاولت تشويه موقف المعارضة بإطلاق حروب الردة عليها. كما أنها تخبطت في التعامل مع المعارضة عن عمد أو جهل، كما أشرنا لشيء من ذلك في المبحث الأول عند عرض نماذج من الانحراف في العهد الأموي. ومن ثم لم يعرف المسلمون شيئاً عن التعامل الإسلامي الحق في حرب أهل القبلة.